اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 121
فمن السهل جدا أن ينقلب هذا الوزان مديرًا وتبقى الأزمة هي هي، وتبقى المشكلة قائمة، ويظل الشعب هو نفس الشعب، بكل أوضاعه وكل أفكاره وتقاليده، أو لنقل: يبقى هذا الشعب كما هو دون أن يحس بشيء من ذلك الوعي الذي أحس به فرد من الأفراد فجأة، يرتقي إلى إدارة محلج بعد أن كان موظفًا صغيرًا فيه. بعبارة أخرى: ليست هذه القصة قصة شعب, ولكنها قصة فرد من هذا الشعب وليست فيها أي رمزية حتى نأخذ صورة هذا الوعي التي تمثلت لنا في شخصية سيد على أنها رمز لوعي أكبر وأكثر امتدادًا هو الوعي الشعبي، وعي الجماهير التي تحس بواقعها المرير, فتحاول جاهدة التخلص منه وإن لاقت في ذلك أكبر العناء حتى تصل آخر الأمر إلى ما تريد.
وليست هناك شخصية أخرى تسير في الخط نفسه، فحمادة الأصفر الذي بقي معنا حتى اللحظة الأخيرة في القصة لم يزد على أن أصبح ثريا, وإن كان لا يزال هو حمادة الأصفر البغيض إلى النفس، الكريه الجبان الخبيث الذي ينطوي على نفس منحطة. قد يكون في صداقته وعطفه على سيد شيء من اعتبار أخلاقي، ولكن هذه المسألة لا تغير من واقع حياته شيئًا، فهو على استعداد دائمًا لأن يقف في وجه صديقه هذا لقاء خمسة جنيهات "أيام الانتخابات". إذن فلم يكن حمادة ممثلا للوعي الشعبي، بل لم يكن فيه أقل قدر من هذا الوعي. وكذلك كان مصطفى عجوة، فقد كان ذنبًا من أذناب السيد جلال، هو والشيخ القرش وأمثالهما ممن يعيشون على فتات موائد السادة، ويقنعون بتلك الحياة المهينة لقاء ما يحصلون عليه من دراهم، حتى عبد الحميد عباس الذي كان على درجة من التعليم، والذي كان هو نفسه يعمل بالتدريس، لم يكن فيه الوعي الكافي، وإذا بمهمته في القصة تقتصر على أن يكون رجلا يمد يد المساعدة أحيانًا لأسرة صديقه, حتى إذا بحثنا عن الدوافع لهذا لم نجد ذلك؛ نتيجة لأنه يريد أن يساعد شخصًا مجاهدًا هو سيد وأن يدفع به إلى أمام، ويحمل عنه عبء القيام بشئون الأسرة، ولكنه كان يصنع ذلك في الحقيقة؛ لأنه كانت له رغبة خاصة في هذه الأسرة وهي أن يقترن بمنيرة أخت سيد, فلم يكن يقوم بهذه المهمة الإنسانية إذن لوعي إنساني, بل لرغبة شخصية.
أما الشخصيات الشعبية الصغيرة الأخرى، مثل شخصية الشيخ مصطفى، فقد رأيناها شخصية ضائعة تخفي عن الناس حقيقة أمرها، تلك الحقيقة التي تنفر منها كل نفس كريمة.
كان الشيخ مصطفى يتجر في المخدرات، وكان هذا سببًا لأن تصل هذه المواد إلى يد ابنته "فطومة" تلك الفتاة الساذجة، وإلى كل الزوار الذين كانت تلاقيهم هذه الفتاة وتقدم إليهم شيئًا من هذه المادة لقاء أجر معين.
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل الجزء : 1 صفحة : 121