responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 102
في أصلها بسيطة وصغيرة، ولكن القصاص يرى فيها -من وجهة نظر خاصة- أهمية تجعلها تفوق في نظره أهمية كثير من الحوادث الأخرى.
وإذا قلنا: إن الكاتب يختار الحادثة المهمة -صغيرة كانت أم كبيرة- فإننا نقدر قيمة معنى الاختيار في تكوين العمل الأدبي. فالحوادث التي تصادفنا في القصة -أي قصة- لم تكن بالضرورة سلسلة من الحوادث التي وقعت على هذا النسق في الحياة. فلم يكن لها هذا الترتيب الزمني ولا الوضع المكاني اللذان أخذتهما في سياق القصة، ولكنها في الحقيقة أشتات من الحوادث التي مر بها الكاتب في حياته، أو عرفها بطريق من الطرق، واتخذ منها في حينها موقفًا معينًا، وفلسفها فلسفة خاصة، واختزنها في نفسه. وهذه الأشتات تجتمع فيها حادثة من هنا وحادثة من هناك، وشيء وقع في حياة الكاتب وشيء مضى عليه عهد طويل. حتى إذا جاءت عملية الإبداع الفني للقصة كانت هذه الأشتات على استعداد دائم لأن تمده بما يلزم. وحتى عندما تكون هناك حادثة أساسية كبيرة, ولتكن حادثة تاريخية مثلا، يرتبط الكاتب بمجملها بالضرورة، فإن الكاتب لا يني يستخدم هذه المادة الخاصة التي كونها لنفسه ويختار منها. إن العالم مليء بالحوادث، ولكن عمل الكاتب القصصي هو أن يختار منها المجموعة التي يستطيع بها أن يكون شيئًا له كيان ومعنى، تمامًا كما يصنع النحات الذي يستطيع أن يستخرج من الحجر المهوش -أي نوع من الحجر- تمثالا له كيان ومعنى، أو أن يختار من بين كل حصى الصحراء مجموعة بذاتها يؤلف بينها ليخرج من ذلك كله الشيء الذي له دلالة خاصة.

عملية الاختيار:
فإلى جانب أهمية المادة التي يستغلها الكاتب هناك عملية اختيار تأخذ اللازم, وتستبعد ما لا نفع له.
وهناك من يميل إلى أن يحدد أهمية الشيء بأن يكون الكاتب نفسه قد عاناه أو خبره؛ لأنه عندئذ لا يملك إلا أن يكون أمينًا في نقله واستخدامه. ففي نطاق خبرة الكاتب الخاصة يكون لما يعرضه في عمله القصصي أهمية. فإذا هو حاول الخروج عن ميدان تجاربه الخاصة، وخبراته التي حصلها بنفسه، وقع لا محالة في عيب لا يغتفر في العمل الأدبي، وهو ألا يكون أمينًا وصادقًا. وبناء على ذلك فإنك إذا كنت تكتب قصة وتحركت بإحدى شخصياتها إلى بيئة لم تعرفها ولم تخبرها عن قرب، أو إلى مكان لم تزره ولم تعرف أهله، فإنك لن تستطيع أن توفر لقصتك صفة الأمانة تلك. ويتبع ذلك أن تفقد قصتك أهميتها؛ لأنك تقدم فيها شيئًا لم يمر بوجدانك، فضلا عن أنه -في أغلب الأحوال- يكون بعيدًا عن الحقيقة. فمثلا إذا حاول كاتب من طبقة معينة أن يمتد إلى تصوير أجزاء من بيئة طبقة أخرى لم يعش فيها, ولم يعرفها عن قرب فإنه لن

اسم الکتاب : الأدب وفنونه - دراسة ونقد المؤلف : عز الدين إسماعيل    الجزء : 1  صفحة : 102
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست