بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (النور: 15) تجد أن التلقي لا يكون إلا بالألسنة، والقول لا يكون إلا من الفم، ولا يقول قائل: إن هذه الألفاظ زائدة وليس وراءها فائدة؛ لأن المقام قد اقتضاها، والمعنى قد تطلبها. وبهذا يتضح لك أن الأمر يحتاج إلى مراجعة دقيقة للسياق، والوقوف على قرائن أحواله، فالنظرة السريعة العاجلة تجعلك تظن أن الكلمة زائدة ولا معنى لها في النظم، فهي حشو ولكن عند التأمل ومراجعة السياق مراجعة دقيقة واعية، يظهر لك أن المقام قد اقتضاها، وأن هناك معنى دقيقًا يكمن وراءها، ولو طويت لما أفيد ذلك المعنى.
صور الإطناب
هذا، ويقع الإطناب في الكلام على أنواع مختلفة؛ أهمها: الإيضاح بعد الإبهام، وهو أن يجمل المعنى ويبهم ثم يفصّل ويبين، فيبدو في صورتين مختلفتين، وعندئذ يقع في النفس أطيب موقع، ويتمكن لديها أفضل تمكّن؛ لأن المعنى إذا أُلقي على سبيل الإجمال والإبهام تطلعت النفس وتشوفت إلى معرفته على سبيل التفصيل والإيضاح، فعندما يأتي هذا التفصيل وذاك الإيضاح يكون أشدّ وقعًا وأقوى أثرًا؛ لأنه جاء والنفس عنه تبحث وإليه تتطلع، وهم يقولون: إن الشيء إذا نيل بعد طلب ومشقة وبحث وتنقيب يكون أوقع في النفس وأشد تأثيرًا، ويحدث لها بالوقوف عليه لذةً ومتعة.