وهم أشد الناس وفاء، بحيث لو أن إنسانا أطعم أحدهم أو كساه ثوبا، لجعل ذلك منة لا ينقضي شكرها، فإذا وجده في خلاء من الأرض دله على الماء، وسار معه إلى أن يبلغه حيث أراد. وهم آفة لضالة الإبل، وكانت مضرتهم قليلة حتى صاروا يقتلون من يقدرون من المسافرين، ففعلوا ذلك بأناس ايديبسات، وكان فيهم - أعني اديبسات - رجل مدبر يعلم أمور انمادي، فعزم على إبادة جميعهم، إلا إنه كان يخاف من حسان، فذهب إلى رؤسائهم، فذكر لهم ما لقي قومه منهم فتبرؤا منهم، فنزل منهلا في جمع من قومه بخيمهم ومواشيهم، فمر عليه أناس منهم، فكساهم وأطعمهم، وأظهر
لهم البشاشة، حتى أمنوه، فصاروا يأتون إليهم جماعات جماعات، فيقتل فيهم حتى لم يبق منهم إلا القليل، ولغة هذا الجنس من الناس، هي العامية الدارجة إلا أنهم لا ينطقون بميم الجمع، فيقولون: السلام عَليكُ، في السلام عليكم، وكيف حالْكُ، في كيف حالكم، والاستغناء بالضمة عن الواو، من لغات العرب، وأفردنا هذه القبيلة بالذكر لغرابتهم، وهم معدودون من اللحمة.
ومن هدايتهم ووفائهم، أن تاجرا من أبناء أبي السباع، كان في مجهول من الأرض، يحمل بضاعة، متوجها إلى تينبكتو، فبينا هو يسير صباحا، إذا بأثر شخص جديد، فجعل يقص أثره، فإذا هو به نائم، فوثب على صدره، وجعل خنجره في نحره، فسأله عن خبره، فلما عرفه أعطاه ثوبا، على أن يذهب معه، ويرده غل موضعه. وكان في رمال عظيمة، فلما نفد ما عنده من الماء، أظهر جزعا عظيما، فسكنه، وفحص له في وسط رمل عن صخرة، تحتها عين جارية، فلما سقوا إبلهم، وملأوا قربهم، واراها كما كانت، لئلا يعلم موضعها غيره، حتى إذا أوصله إلى الموضع الذي يقصد قال فيه: أني لا آمن هؤلاء الناس، فواعده على يوم معين يجده فيه، ليرجعه إلى الموضع الذي أخذ منه، فوفى له.