اسم الکتاب : علوم البلاغة البيان، المعاني، البديع المؤلف : المراغي، أحمد بن مصطفى الجزء : 1 صفحة : 211
فدلالة الحيوان على الجسم أوضح[1] من دلالة الإنسان عليه، ودلالة الجدار على التراب أوضح من دلالة البيت عليه.
وفي هذا مجال لقائل: إذ الدلالة الوضعية ربما يعرض لها الوضوح والخفاء، ألا ترى أنا نجد في أنفسنا ألفاظا محفوظة لدينا، معلومة الوضع، ومع ذلك يحضر لنا معنى بعضها بنفس الالتفات إليه، لكثرة الممارسة، أو لقرب العهد باستعماله في معناه، أو لقرب العهد بعلم وضعه، وبعضها لا يحضر معناه إلا بالمراجعة مرة بعد أخرى لطول العهد بعلم وضعه ولعدم تداوله.
أضف إلى ذلك أن التركيب الذي فيه تعقيد لفظي لا يفهم معناه إلا بعد التأمل، مع العلم بوضع جميع ألفاظه، فليس ببعيد إذا أن تكون قابلة للوضوح والخفاء. وقد أجيب عن الأول بأن التوقف والمراجعة لطلب تذكر الوضع المنسي، لا لخفاء الدلالة, بدليل أنه عندما نتذكر الوضع نعلم المعنى من غير توقف، وعن الثاني بأن الهيئة مختلفة، والكلام عند اتفاقها؛ لأن لها دخلا في الفهم الوضعي.
أبواب الفن:
اعلم أن اللفظ إن استعمل في معنه الموضوع له فحقيقة، وإن استعمل في غيره، لعلاقة مع قرينة، فإما مانعة من إرادة المعنى الأصلي فمجاز، وإما غير مانعة فكناية.
والمجاز إن كان لعلاقة المشابهة فاستعارة مفردا كان أو مركبا، وإن كان لعلاقة غير المشابهة فإن كان مفردا سمي مجازا مرسلا، وإن كان مركبا قيل له: مجاز مركب مرسل.
والاستعارة مبنية على التشبيه، فوجب التعرض له، فعلم من هذا وبما تقدم من أن الدلالة الوضعية لا تتفاوت وضوحا وخفاء على المشهور، أن أبواب هذا الفن أربعة: التشبيه المجاز بقسميه، الكناية, أما الحقيقة فإنما تذكر فيه ليتضح مقابلها، وهو المجاز أشد الوضوح "وبضدها تتميز الأشياء" وأيضا فهي أصل المجاز، وهو فرع لها تناسب ذكرها في الفن تبعا. [1] لأن دلالة الحيوان عليه بلا واسطة، بخلاف الثانية.
اسم الکتاب : علوم البلاغة البيان، المعاني، البديع المؤلف : المراغي، أحمد بن مصطفى الجزء : 1 صفحة : 211