مقدمة
بهذا المجلّد نقدّم للمكتبة العربيّة- لأوّل مّرة- ترجمة لأوفى مصدر في تاريخ دولة سلاجقة الرّوم، وأعني به كتاب «مختصر سلجوقنامه» الذي يعدّ تلخيصا واختصارا لكتاب «الأوامر العلائية في الأمور العلائية» لابن البيبي مؤرّخ تلك الدّولة الفتيّة التي نشأت في آسيا الصّغرى في منتصف القرن الخامس الهجري، وظلّت قائمة لا تزعزعها الخطوب والمحن التي توالت عليها من كلّ جانب: من الصّليبيين في الغرب، والمغول في الشرق، وغيرهم، ولا تصرفها الأحداث الجسام التي منيت بها عن التشبّث بما تستطيع من الأقاليم في تلك البلاد، وأخذت تطاول الزّمن حتى شاء لها القدر ألّا تسلم الرّاية في النّهاية إلّا بعد أن مهّدت لقيام الدّولة العثمانية في آسيا الصغرى، واتّساع رقعتها بعد ذلك حتى شملت أوربا وبلاد الشام ومصر والبحر الأبيض المتوسّط وشمال إفريقيا.
كانت دولة سلاجقة الرّوم قد نشأت في أعقاب الهزيمة التي ألحقها السّلاجقة الأتراك بالإمبراطورية البيزنطية في سنة 413 هـ (1071 م) في موقعة «ملازكرد»؛ وبانهيار الجيش البيزنطي وتراجعه السّريع أمام السّلاجقة انفتح لهم سبيل السيطرة على آسيا الوسطى وجعلها قاعدة للنّفوذ والتوسّع في بلاد الأرمن والقفقاز والرّوس.