اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 615
مثل من أمثلة اليقين الراسخ والإيمان القوى الذي ترتب عليه صدق التوكل على الله عز وجل، واللجوء إليه في قضاء الحوائج وكشف الكربات، فالمؤمن الحق يعتقد جازمًا بأن كل شيء بيد الله جل وعلا، فإذا وقع في ضائقة وكرب فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه تصور وجود الله تعالى وهيمنته على كل شيء، وأن المخلوقين الذين يُشكلون طرفًا آخر في قضيته إنما هم في قبضة البارئ جل وعلا، وأن قلوبهم بيده سبحانه يصرفها كيف يشاء، فليلجأ إليه قبل كل شيء ويسأله قضاء حاجته وتفريج كربته، ثم يقوم بعمل الأسباب التي خلقها الله تعالى وجعلها موصلة إلى النتائج المطلوبة، مع الاعتقاد بأنها مجرد أسباب وأن الفاعل والمقدّر هو الله تعالى، وأنه قادر على أن ينزع من الأسباب قوة التأثير فلا تؤدي إلى نتائجها [1] المعروفة.
ب- هل كان الزبير رضي الله عنه من الأثرياء؟ نرى النصَّ السابق ينطق بأن الزبير، رضي الله عنه، ما كان من الأثرياء أصحاب الأموال المعروفين المشهورين بذلك، بل كان يشعر بالضائقة ويهمه أمر ما في ذمته من أموال وديون، وكان يخشى ألا تفي أرضه وعقاره بما عليه من أموال، كما ينطق هذا النص أيضًا بأن عبد الله بن الزبير ما كان يخالف أباه في توقعه، بل كان يتوقع مثله أن الديوان تزيد على الأموال والأرض، يقول له أبوه: أفترى يُبقى دينُنَا من مالنا شيئًا؟ فلا يجد عبد الله جوابًا لأبيه، ولو كان يتوقع غير ما توقع أبوه، لأجابه مطمئنًا إياه في هذا الوقت العصيب، بأن الأمر غير ما يقدَّر ويتوقَّع، بل تجده يجارى أباه صراحة في توقعه، فيسأله - عندما أشار عليه أن يستعين بمولاه-: من مولاك؟ فهو يتوقع أنه سيستعين به، ولا يزعمن زاعم بأن عبد الله لم يكن محيطًا بثروة أبيه، عارفًا بأملاكه، فإن عبد الله كان في ذلك الوقت في سن الخامسة والثلاثين، ومن يكن في مثل هذه السن من شأنه أن يكون ظهيرًا لأبيه عالمًا بكل أحواله وأمواله، وبخاصة إذا كان هو الابن الأكبر، وإن سؤال الزبير له: أفترى يُبقى ديننا من مالنا شيئًا؟ يشهد بأن عبد الله [1] التاريخ الإسلامي (20/ 309).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 615