اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 423
قال: أما المدارك التي شاركناهم فيها من دلالات الألفاظ والأقيسة فلا ريب أنهم كانوا أبر قلوبًا وأعمق علمًا، وأقل تكلفًا وأقرب إلى أن يوفقوا فيما لم نوفق له نحن، ولما خصهم الله تعالى به من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحسن الإدراك وسرعته، وقلة المعارض أو عدمه، وحسن المقصد وتقوى الرب تعالى، فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين، بل غنوا في ذلك كله، فليس في حقهم إلا أمران:
أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسوله كذا.
والثاني: معناه كذا وكذا.
وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما، وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهممهم متشعبة، فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة، والأصول وقواعدها قد أخذت منها شعبة، وعلم الإسناد وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة، وفكرهم في كلام مصنفهم وشيوخهم على اختلافهم وما أرادوا به قد أخذ منها شعبة، إلى غير ذلك من الأمور، فإذا وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير في غيرها، وأوهن قواهم مواصلة السير في سواها، فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب القوة [1] , وبما تقدم يتقرر أن أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أدق فهمًا وعلمًا بما هيأ الله لهم من الأسباب المعينة على الفهم والعلم، فبناء على ذلك فهم أعلم بمقاصد الشرعية ومراميها من غيرهم، ولكون من أهم الطرق المحصلة لمقاصد الشريعة: العلم بالكتاب والسنة وطرق الاستنباط منهما، وهذا متوافر لدى الصحابة بلا شك على أكمل الوجوه وأحسنها [2].
قال الشاطبى: السلف أعلم الناس بمقاصد القرآن [3] , وقال عن الصحابة: هم القدوة في فهم الشريعة والجري على مقاصدها [4]. [1] إعلام الموقعين (4/ 149). [2] مقاصد الشريعة الإسلامية لليوبى، ص (601). [3] الموافقات (3/ 409). [4] المصدر نفسه (4/ 130).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 423