اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 288
فآثره، والقبيح فتجنبه، ولا ستر عورة، ولا امتنع من فاحشة، وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيئًا من الأمور المفترضة عليه، ولم يرع لمخلوق حقًا، ولم يصل له رحمًا، ولا بر له والدًا فإن الباعث على هذه الأفعال إما ديني- وهو رجاء عاقبتها الحميدة - وإما دنيوى علوي وهو حياء فاعلها من الخلق، وقد تبين أنه لولا الحياء- إما من الخالق، وإما من الخلائق - لم يفعلها صاحبها [1] , وعلى حسب حياة القلب تكون قوة خلق الحياء، فكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم، وقلة الحياء من موت القلب والروح [2] , وهو من شعب الإيمان، لأنه يكون باعثًا على أفعال البر، ومانعًا من المعاصي [3] , ولهذا كان من الأخلاق العليا التي كان للقرآن الكريم بها عناية عظيمة [4] , فقد تحدث القرآن الكريم عن الحياء في الجانب النبوي في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:53]، فترى كيف حمله الحياء على عدم مواجهة أصحابه بما كان يرغب فيه من خروجهم، ولم يستطع مشافهتهم بما يراه منهم (5)
, لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان أشد حياء من العذراء في خدرها [6] , وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الحياء لا يأتي إلا بخير» [7] , وقد تجسد هذا الخلق في شخص أمير المؤمنين على بن أبي طالب، رضي الله عنه، وقد حدثنا عن هذا الخلق فقال: إني لأستحى من الله أن يكون ذنب أعظم من عفوى، أو جهل أعظم من حلمي، أو عورة لا يورايها ستري، أو خلة لا يسدها جودي [8]. فهذه أربع صفات من النقص قابلها أمير المؤمنين على بن أبي طالب - رضي الله عنه - بأربع صفات من الكمال، فالحياء من الله عز وجل يقتضي من الإنسان أن يتصف بالعفو عند المقدرة، وذلك فيما [1] مفتاح الدار السعادة (1/ 377). [2] مدارج السالكين (2/ 259). [3] شرح مسلم للنووي (3/ 5). [4] أخلاق النبي في القرآن الكريم (1/ 478).
(5) أخلاق النبي في القرآن والسنة (1/ 478) .. [6] مسلم رقم (2320). [7] مسلم رقم (37). [8] تاريخ دمشق (42/ 517)، نقلا عن التاريخ الإسلامي للحميدى (20/ 274).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 288