اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 276
عظيم من أمير المؤمنين على - رضي الله عنه - حينما تذكر هوان الدنيا وحقارتها، فكبر الله تعالى، ولسان حاله يؤنب من انخدع بمتاع الدنيا الزائل ونسى أن الله، جلا وعلا، أكبر من كل شيء، إنه لميزان دقيق يحسه المؤمن الذي نَوَّر الله، سبحانه بصيرته، فكلما كان الله تعالى أعظم وأكبر من كل شيء في قلبه كانت الدنيا وما فيها أهون شيء عليه، وأصبح يسخر المال الحلال في طاعة الله جل وعلا، وكلما عظمت الدنيا في قلبه كان ذلك على حساب نقص تعظيمه لله تعالى، ونجد أمير المؤمنين عليا- رضي الله عنه - يحلق في آفاق العظمة وهو يخاطب الدنيا بقوله: يا صفراء ويا بيضاء غرى غيرى .. مما يدل على الوجدان الحى والحس المرهف الذي يصور الدنيا كخصم يخاتل ويراوغ خصمه .. وهو بهذا يعلن انتصاره على جموح النفس وجنوح العواطف، ويحكم عقله الذي يعطي الدنيا حجمها المناسب لزمنها المحدود في شقائها ونعيمها، ويعطي الآخرة حجمها المناسب لخلودها وعظمة نعيمها وهول جحيمها، ونجده- رضي الله عنه - يصل إلى قمة المعالي حينما صلى في بيت المال ركعتين لتكونا شاهدتين له يوم القيامة بأنه عدل في حكمه واستقام في أمره، ولعل في اتخاذ بيت المال مسجدًا رمزًا لعلو الآخرة على الدنيا، وهو مُكمِّل للسلوك العالي الذي مارسه في تصريف ذلك المال في وجوهه المشروعة [1].
2 - والله ما أرزؤكم من مالكم شيئًا: ومن مواقف أمير المؤمنين على - رضي الله عنه - في الزهد والورع ما رواه هارون بن عنترة عن أبيه قال: دخلت على علىًّ بن أبي طالب بالخورنق [2] , وهو يرعد [3] تحت سمل قطيفة [4] , فقلت: يا أمير المؤمنين إن الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال، وأنت تصنع بنفسك ما تصنع! فقال: والله ما أرزؤكم من [1] التاريخ الإسلامي (12/ 427) للحميدي. [2] موضع بالكوفة. [3] يرعد: من شدة البرد. [4] سمل قطيفة: يعنى قطيفة قديمة.
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 276