اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 197
البصرة، فليتفرقوا ثلاث فرق، فرقة في حرمهم وذراريهم، وفرقة في أهل عهدهم حتى لا ينتقضوا، ولتسر فرقة إلى إخوانهم بالكوفة مددًا لهم. إن الأعاجم إن ينظروا إليك غدًا قالوا: هذا أمير العرب وأصلها، فكان ذلك أشد لكلبهم عليك، وأما ما ذكرت من مسير القوم، فإن الله هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأما عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة ولكن بالنصر، فقال عمر: هذا هو الرأي كنت أحب أن أتابع عليه [1].
كانت نصيحة على نصيحة المحب لعمر الغيور عليه، والضنين ألا يذهب، وأن يدير رحى الحرب بمن دونه من العرب وهو في مكانه، وحذره من أنه إذا ذهب، فلسوف ينشأ وراءه من الثغرات ما هو أخطر من العدو الذي سيواجهه، أرأيت لو أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعلن أن الخلافة من بعده لعلي، أفكان لعلي أن يرغب عن أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذا، وأن يؤيد المستلبين لحقه بل لواجبه في الخلافة بمثل هذا التعاون المخلص البناء؟ بل أفكان للصحابة، رضوان الله عليهم، كلهم أن يضيعوا أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ بل أفكان من المتصور أن يجمعوا وفي مقدمتهم على رضوان الله عليه على ذلك؟ بوسعنا أن نعلم إذن بكل بداهة، أن المسلمين إلى هذا العهد - نهاية عهد عمر - بل إلى نهاية عهد على كانوا جماعة واحدة، ولم يكن في ذهن أي من المسلمين أي إشكال بشأن الخلافة، أو شأن من هو أحق بها [2].
إن كثرة مشاورة عمر لعلي، رضي الله عنهما، وغيره من الصحابة، لا يعني هذا أنه دونهم في الفقه والعلم، فقد بينت الأحاديث الصحيحة التي تدل على علو علمه، واكتمال دينه، ولكن إيمانه وحبه للشورى، وتعويده للحكام فيما بعد على المشاورة، وعدم الاستبداد بالأمر والراي، وإلا فإن عليًا رضي الله عنه كان كثيرًا ما يرجع عن رأيه إلى رأي عمر [3] , فقد جاء عن عائشة، رضي الله عنها، في معرض حديثها عن عمر [1] تاريخ الطبري (3/ 480)، تحقيق مواقف الصحابة (2/ 94). [2] فقه السيرة للبوطي: ص (295). [3] خلافة على بن أبي طالب، عبد الحميد على: ص (77).
اسم الکتاب : أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 197