اسم الکتاب : أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 376
تلحظ من كلام سيدنا الحسن رضي الله عنه شدة خوفه من الله تعالى ذلك الخوف الذي دفعه إلى الصلح، وقد مدح بن أنبياءه عليهم السلام وأولياءه بمخافتهم الله تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 21] فالخوف المحمود من الله يحث على العلم، ويكدر جميع الشهوات، ويزعج القلب عن الركون إلى الدنيا، ويدعوه إلى التجافى عن دار الغرور، دون الحديث النفسى الذي لا يؤثر في الكف عن المعاصى والحث على فعل الطاعات، ودون الوصول إلى اليأس الموجب للقنوط [1]. فالحسن بن علي رضي الله عنه أراد أن يحقن دماء المسلمين قربة إلى الله عز وجل، وخشى على نفسه من حساب الله يوم القيامة في أمر الدماء، ولو أدى به الأمر إلى ترك الخلافة، فكان ذلك دافعًا له نحو الصلح، فالحسن بن على رضي الله عنه يعلم خطورة سفك الدماء بين المسلمين، لأن ذلك من أخطر الأمور التى تهز كيان البشرية، ولذلك ورد تحريمه والوعيد عليه، وتحديد عقوبته في كثير من نصوص الكتاب والسنة، والقتل أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة مما يدل على عظم شأن قتل النفس والاعتداء على حرمة الإنسان، فقد روى البخارى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال: قال النبى - صلى الله عليه وسلم -: "أول ما يقضى بين الناس في الدماء" [2]، فأمر الدماء عظيم يوم القيامة، والعمل على حفظها في الدنيا من مقاصد الشريعة ولذلك حرص الحسن على الصلح حفظًا لدماء المسلمين، لقد عنيت الشريعة الإسلامية التى فهمها واستوعبها الحسن -رضي الله عنه- بالنفس عناية فائقة، فشرعت من الأحكام ما يجلب المصالح لها، ويدفع المفاسد عنها، وذلك مبالغة في حفظها وصيانتها، ودرء الاعتداء عليها لأنه بتعرض الأنفس للضياع والهلاك يُفقد المكلف الذي يتعبد الله سبحانه وتعالى وذلك بدوره يؤدى إلى ضياع الدين، والمقصود من الأنفس التى عنيت الشريعة بحفظها هى الأنفس المعصومة بالإسلام الجزية أو الأمان [3]، ولهذا لما قيل للحسن من بعض المعترضين [1] جامع العلوم والحكم، ص (363)، الإيمان أولاً، ص (117). [2] البخارى، ك الديات، رقم (6864). [3] روضة الطالبين (9/ 148)، مقاصد الشريعة لليوبى، ص (211).
اسم الکتاب : أمير المؤمنين الحسن بن علي بن أبي طالب المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 376