اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 90
المبحث الخامس
الصديق في المجتمع المدني
وبعض صفاته وشيء من فضائله
تمهيد:
كانت حياة الصديق في المجتمع المدني مليئة بالدروس والعبر، وتركت لنا نموذجًا حيًّا لفهم الإسلام وتطبيقه في دنيا الناس، وقد تميزت شخصية الصديق بصفات عظيمة ومدحه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أحاديث كثيرة، وبيَّن فضله وتقدمه على كثير من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
أولا: من مواقفه في المجتمع المدني:
1 - موقفه من (فنحاص) الحبر اليهودي:
ذكر غير واحد من كُتَّاب السير والمفسرين أن أبا بكر - رضي الله عنه - دخل بيت المدراس [1] على يهود، فوجد منهم ناسا قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص، وكان من علمائهم وأحبارهم، ومعه حبر من أحبارهم، يقال له أشيع [2]، فقال أبو بكر لفنحاص: ويحك! اتق الله وأسلم، فوالله إنك تعلم أن محمدًا لرسول الله، قد جاءكم بالحق من عنده، تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة والإنجيل. فقال فنحاص لأبي بكر: والله يا أبا بكر، ما بنا إلى الله من فقر، وإنه إلينا لفقير، وما نتضرع إليه كما يتضرع إلينا، وإنا عنه لأغنياء وما هو عنا بغني، ولو كان عنا غنيًا ما استقرضنا أموالنا كما يزعم صاحبكم، ينهاكم عن الربا ويعطيناه، ولو كان عنا غنيًا ما أعطانا الربا. فغضب أبو بكر، فضرب وجه فنحاص ضربًا شديدًا، وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت رأسك أي عدو الله. فذهب فنحاص إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا محمد، انظر ما صنع بي صاحبك، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبي بكر: «ما حملك على ما صنعت؟» فقال أبو بكر: يا رسول الله، إن عدو الله قال قولاً عظيمًا، إنه يزعم أن الله فقير وأنهم أغنياء، فلما قال ذلك غضبت لله مما قال، وضربت وجهه، فجحد ذلك فنحاص [1] مكان يتلى فيه التوراة. [2] السيرة النبوية لابن هشام: 1/ 558، 559.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 90