اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 9
يكون إدراكه لها ناشئًا عن تلبس ضميره بها لا عن رصدها من الخارج بالذهن المتجرد البارد. (1)
وبسبب غياب ذلك المنهج وقع بعض المعاصرين من المؤرخين والكتاب والأدباء في تشويه صورة سلف هذه الأمة، وأظهروا الصحابة بمظهر المتكالب على الدنيا وسفك الدماء للوصول إلى الغايات التي ينشدونها من الاستيلاء على الحكم والتنكيل بخصومهم، فتناولوا ذلك بعيدًا عن فهم حقيقة الجيل الذي تربى في مدرسة المصطفى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبعيدا عن تأثرهم بالإسلام وعقيدته وأصوله، وبسبب تلك الكتابات نشأ جيل لا يعرف عن تاريخه إلا الحروب وسفك الدماء والخداع والمكر والحيلة، وأصبحت صورة الصحابة -رضوان الله عليهم جميعًا- مشوهة، مما جعل بعض المسلمين يرد تلك الأباطيل دون أن يعي الحقيقة؛ بل مجرد أن تلك الأباطيل مسطرة في كتاب زيد أو عمرو من الكُتَّاب. (2)
إن إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بمنهج أهل السنة والجماعة أصبح ضرورة ملحة لأبناء الأمة، وقد بدأت أقلام الباحثين والكُتَّاب تصيغ التاريخ من هذا المنظور، وهم لم يبدأوا من فراغ؛ لأن الله حمى دينه وحمى أمته، فقيض لتاريخ الصحابة من يحقق وقائعه ويصحح أخباره، ويكشف الستار عن الوضاعين والكذابين من ملفقي الأخبار، ويرجع الفضل في ذلك التصحيح إلى الله ثم أهل السنة والجماعة من أئمة الفقهاء والمحدثين الذين حفلت مصادرهم بالكثير من الإشارات والروايات الصحيحة التي تنقض وترد كل ما وضعه الملفقون. (3)
وقد سِرْتُ على أصول منهج أهل السنة، فعكفت على المصادر والمراجع القديمة والحديثة، ولم أعتمد في دراسة عصر الخلفاء الراشدين على الطبري وابن الأثير والذهبي وكتب التاريخ المشهورة فقط؛ بل رجعت إلى كتب التفسير والحديث وشروحها وكتب التراجم والجرح والتعديل وكتب الفقه، فوجدت فيها مادة تاريخية غزيرة يصعب الوقوف على حقيقتها في الكتب التاريخية المعروفة والمتداولة، وقد بدأت بالكتابة عن
(1) المصدر السابق نفسه.
(2) انظر: أبو بكر - رضي الله عنه -، محمد مال الله، ص 15، 16.
(3) انظر: المنهج الإسلامي لكتابة التاريخ، د. محمد المحزون، ص 4.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 9