اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 373
دعوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم بالإسلام، وصمموا على حجب نور الحق عن شعوبهم، وقد خرج الناس يلبون هذه الدعوة الحبيبة إلى النفوس تحت لواء قادة أصحاب بلاء وجهاد في
سبيل الله، أمثال: خالد وأبي عبيدة وشرحبيل ويزيد - رضي الله عنه -، اختارهم خليفة محنك مجرب ذو ملكة عسكرية صقلتها الظروف التي أحاطت به والأزمات الخطيرة التي أحدقت بأمته، مما دفعه إلى العناية بهذه الناحية، فاختار القواد أحسن اختيار وأمدهم بتوجيهاته وإرشاداته، ففتحوا الشام والعراق في أقصر وقت ممكن وبأقل كلفة متاحة [1].
3 - العدل بين الأمم المفتوحة والرفق بأهلها:
كانت السياسة الخارجية للصديق قائمة على بسط لواء العدل على الديار المفتوحة ونشر الأمن بين أهلها؛ حتى يحس الناس بالفرق بين دولة الحق ودولة الباطل، وحتى لا يظن الناس أنه قد ذهب جبار ظالم ليحل مكانه من هو أشد منه أو مثله في ظلمه وجبروته. ووصى أبو بكر قواده بالرحمة والعدل والإحسان إلى الناس، فإن المغلوب يحتاج إلى الرأفة وتجنب ما يثير فيه حمية القتال. وحافظ المسلمون الفاتحون على الإنسان والعمران، فشاهدت الشعوب المفتوحة خُلُقا جديدًا في ذوق رفيع وإنسانية صادقة، فقام ميزان الشريعة بين الأمم المغلوبة بالقسط، وانتشر نور الإسلام فأخذ يعد له مجامع القلوب فسارعت الشعوب إلى اعتناق هذا الدين والانضواء تحت لوائه. وكان جند الأعاجم من الفرس أو الروم إذا وطئوا أرضا دنسوها ونشروا فيها الرعب والفزع وانتهكوا الحرمات، مما قاسى منه الناس الويل والثبور، وتناقلت الأجيال قصصه المرعبة والمفزعة جيلاً بعد جيل وقبيلاً إثر قبيل، فلما جاء الإسلام ودخل جنده هذه الديار فإذا بالناس يجدون العدل يبسط رداءه فوق رؤوسهم، ويعيد إليهم آدميتهم التي انتزعها الظلم والطغيان. وقد حرص الصديق على هذه السياسة حرصًا عظيمًا، وكان يقوِّم أي عوج يظهر أو خطأ يقع.
روى البيهقي: أن الأعاجم كانوا إذا انتصروا على عدو استباحوا كل شيء من ملك أو أمير، وكانوا يحملون رؤوس البشر إلى ملوكهم كبشائر للنصر وإعلان للفخر، فرأى أمراء المسلمين في حروب الروم أن يعاملوهم بنفس معاملتهم فبعث عمرو بن العاص [1] تاريخ الدعوة إلى الإسلام: ص 259، 260.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 373