اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 332
صغيرة من ساقها، فأمر رافع أن يحفروا هناك، فحفروا فظهرت عين للماء فشربوا حتى روى الناس، فاتصلت بعد ذلك لخالد المنازل. (1)
وقد قال بعض العرب لخالد في هذا المسير: إن أنت أصبحت عند الشجرة الفلانية نجوت أنت ومن معك، وإن لم تدركها هلكت أنت ومن معك، فسار خالد بمن معه وسروا سروة عظيمة فأصبحوا عندها، فقال خالد: عند الصباح يحمد القوم السُّرى فأرسلها مثلاً وهو أول من قالها - رضي الله عنه - ([2]):
وقد قال رجل من المسلمين في مسيرهم هذا مع خالد:
لله در رافع أنَّي اهتدى ... فوَّزَ من قراقر إلى سوى
خمسًا إذا ما سارها الجيش بكى ... ما سارها قبلك إنسي يُرَى (3)
وهذه القصة تدل على أن القائد المحنك لا يبالي بالأخطار، وأنه أعمل الحيلة في سبيل الحصول على الماء لقطع الصحراء حتى وصل إلى غرضه، وفي اليوم الخامس وصل جيش خالد إلى سوى -وهو أول تخوم الشام- تاركًا وراءه حاميات الروم على الطرق الرئيسة العامة تواجه العراق، وكانت حركته في قطع الصحراء بخمسة أيام أعجوبة من أعاجيب المخاطر المحسوبة، ذللتها إرادة القائد وإيمانه وإقدامه [4].
وصل خالد إلى «أدك» وهي أول حدود الشام، فأغار على أهلها وحاصرهم فحررها صلحًا، ثم نزل «تدمر» فامتنع أهلها وتحصنوا، ثم طلبوا الأمان فصالحهم وواصل سيره فأتى «القريتين»، فقاتله أهلها فظفر بهم، ثم قصد «حوارين»، وصار إلى موضع يعرف بالثنية، فنشر رايته وهي كانت لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تسمى العُقَاب، فسمي ذلك الموضع بثنية العقاب [5]، ولما مر بعذراء أباحها وغنم لغسان أموالاً عظيمة وخرج من شرقي دمشق، ثم سار حتى وصل إلى قناة بصرى، فوجد الصحابة تحاربها فصالحه صاحبها وسلمها إليه، فكانت أول مدينة فتحت من الشام ولله الحمد. وبعث خالد بأخماس ما غنم من
(1) أبو بكر الصديق، د: نزار الحديثي، خالد الجنابي: ص 68. [2] البداية والنهاية: 7/ 7.
(3) المصدر السابق نفسه. [4] معركة اليرموك، اللواء خليل سعيد، بحث مقدم إلى ندوة الفكر العسكري العربي، نقلا عن أبي بكر الصديق، خالد الجنابي: ص 68. [5] أبو بكر الصديق، د: نزار الحديثي، خالد الجنابي: ص 68.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 332