اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 311
الجيش ثلاث فرق وأمر أن تسلك كل فرقة طريقًا، ولم يحملهم على طريق واحد؛ تحقيقًا لمبدأ مهم من مبادئ الحرب وهو أمن القطعات، فجعل المثنى على فرقة المقدمة ثم تلتها فرقة عليها عدي بن حاتم الطائي، وخرج خالد بعدهما وواعدهما الحضير [1]، ليجتمعوا به ويصمدوا لعدوهم [2].
1 - معركة ذات السلاسل:
سمع هرمز بمسير خالد وعلم أن المسلمين تواعدوا الحضير، فسبقهم إليه وجعل على مقدمته القائدين قباذ وأنو شجان، ولما بلغ خالد أنهم يمموا الحضير عدل عنها إلى كاظمة فسبقه هرمز إليها، ونزل على الماء واختار المكان الملائم لجيشه، وجاء خالد فنزل على غير ماء، فقال لأصحابه: حطوا أثقالكم ثم جالدوهم على الماء، فلعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين [3].
وحط المسلمون أثقالهم والخيل وقوف، وتقدم الراجلون وزحفوا إلى الكفار، ومنَّ الله تعالى بكرمه وفضله على المسلمين بسحابة فأمطرت وراء صفوف المسلمين، ونهلوا من غدرانها فتقوى بذلك المسلمون، وهذا مثل من الأمثلة الكثيرة الشاهدة على معية الله -جل جلاله- لأوليائه المؤمنين بنصره وإمداده.
وواجه المسلمون هرمز وكان مشهورًا بالخبث والسوء حتى ضُرب المثل بخبثه، فعمل مكيدة لخالد وذلك أنه اتفق مع حاميته على أن يبارز خالدًا ثم يغدروا به ويهجموا عليه، فبرز بين الصفين ودعا خالدًا إلى البراز فبرز إليه، والتقيا فاختلفا ضربتين واحتضنه خالد فحملت حامية هرمز على خالد وأحدقوا به، فما شغله ذلك عن قتل هرمز، وما أن لمح ذلك البطل المغور القعقاع بن عمرو حتى حمل بجماعة من الفرسان على حامية هرمز وكان خالد يجالدهم فأناموهم [4]، وحمل المسلمون من وراء القعقاع حتى هزموا الفرس، وهذا هو أول المشاهد التي ظهر فيها صدق فراسة أبي بكر حينما قال عن القعقاع: «لا يهزم جيش فيه مثل هذا». [5] وأما خالد فقد ضرب أروع الأمثال في البطولة ورباطة الجأش، فقد أجهز على قائد الفرس [1] الحضير: ماء لباهلة على أربعة أمثال من البصرة، المعجم، ياقوت: 2/ 277. [2] أبو بكر الصديق، خالد الجنابي: ص 46. [3] الكامل لابن الأثير: 2/ 51، تاريخ الطبري: 4/ 165. [4] تاريخ الطبري: 4/ 165. [5] نفس المصدر السابق: 4/ 163.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 311