اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 262
وفي الرواية الأولى يبدو مسيلمة الكذاب شخصًا مريبًا مما استدعى ستره بهذه الثياب، وكأنه يخفي في نفسه وتقاطيع وجهه شيئًا مدخولاً، وقد كان الرجل كذلك في حياته وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس بشركم» لا تعني أنه خيرهم بل قد تعني أنهم أشرار وليس هو بأكثر شرًّا منهم بل هو شرير مثلهم، والحقيقة التي كشفتها الأيام أن بني حنيفة كان جلهم أشرار، وكان هو الذي يتولى كبر هذا الشر فيهم.
1 - رجوع وفد بني حنيفة:
ولما رجع وفد بني حنيفة إلى اليمامة حيث ديارهم ادعى مسيلمة النبوة، وأعلن شركته لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيها اعتمادًا على قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنه ليس بشركم»، وطفق يتنبأ لقومه ويسجع ويحلل ويحرم كما يشتهي، فكان مما زعم أنه قرآن يأتيه: لقد أنعم الله على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى [1] , فمنهم من يموت ويدس إلى الثرى، ومنهم من يبقى إلى أجل مسمى، والله يعلم السر وأخفى [2].
ومما قاله مسيلمة: يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدرين. [3] وقد حاول مسيلمة الكذاب أن يسرق أساليب القرآن مع إحالة معانيه بحيث تخرج شوهاء ممسوخة، مثل قوله: فسبحان الله إذا جاء الحياة كيف تحيون؟ وإلى ملك السماء ترقون، فلو أنها حبة خردلة لقام عليها شهيد يعلم ما في الصدور، ولأكثر الناس فيها ثبور. [4] لقد كان هذا الهراء غير خاف على أحد بمن فيهم هم أنفسهم قبل غيرهم. وقد ذكر ابن كثير أن عمرو بن العاص -قبل إسلامه- قابل مسيلمة الكذاب فسأله هذا ماذا أنزل على محمد من القرآن؟ فقال له عمرو: إن الله أنزل عليه سورة العصر، فقال مسيلمة: وقد أنزل الله عليَّ مثلها، وهو قوله: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائر حفر نقر. [5] فقال له عمرو بن العاص: والله إنك تعلم أني أعلم أنك تكذب. [6] وعلق ابن كثير -رحمه الله- على قول عمرو هذا [1] حركة الردة للعتوم: 73. [2] البدء والتاريخ للمقدسي: 5/ 162. [3] تاريخ الطبري: 4/ 102. [4] حركة الردة للعتوم: 271. [5] تفسير ابن كثير: 4/ 547، ط الحلبي. [6] تفسير ابن كثير: 4/ 547، ط الحلبي.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 262