اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 253
وقد قام الصديق بالتحقيق في مقتل ابن نويرة وانتهى إلى براءة ساحة خالد من تهمة قتل مالك بن نويرة [1]، وأبو بكر في هذا الشأن أكثر اطلاعا على حقائق الأمور، وأبعد نظرًا في تصريفها من بقية الصحابة؛ لأنه الخليفة وإليه تصل الأخبار، كما أنه أرجح إيمانًا منهم، وهو في معاملته لخالد يحتذي على سنن رسول الله؛ إذ أنه عليه الصلاة والسلام لم يعزل خالدًا عما ولاه في الوقت الذي كان يقع منه ما قد لا يرتاح له، وكان يعذره إذ يعتذر، ويقول: «لا تؤذوا خالدا؛ فإنه سيف من سيوف الله صبه الله على الكفار» [2].
إن من كمال الصديق توليته لخالد واستعانته به؛ لأنه كان شديدًا ليعتدل به أمره ويخلط الشدة باللين، فإن مجرد اللين يفسده ومجرد الشدة تفسده، فكان يقوم باستشارة عمر وباستنابة خالد، وهذا من كماله الذي صار به خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولهذا اشتد في قتال أهل الردة شدة برز بها على عمر وغيره، فجعل الله فيه من الشدة ما لم يكن فيه قبل ذلك، وأما عمر فكان شديدا في نفسه فكان من كماله -في خلافته- استعانته باللين ليعتدل أمره؛ فكان يستعين بأبي عبيدة بن الجراح، وسعد بن أبي وقاص، وأبي عبيد الثقفي، والنعمان بن مقرن، وسعيد بن عامر، وأمثال هؤلاء من أهل الصلاح والزهد الذين هم أعظم زهدًا وعبادة من خالد بن الوليد وأمثاله، وقد جعل الله في عمر من الرأفة -بعد الخلافة- ما لم يكن فيه قبل ذلك تكميلاً له حتى صار أمير المؤمنين [3].
وقد ذكر ابن تيمية كلامًا نفيسًا عن ذلك فقال: « ... كان أبو بكر خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما زال يستعمل خالدًا في حرب أهل الردة وفي فتوح العراق والشام، وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل، وقد ذكر له عنه أنه كان له فيها هوى فلم يعزله من أجلها بل عاتبه عليها؛ لرجحان المصلحة على المفسدة في بقائه، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه؛ لأن المتولي الكبير إذا كان خلقه يميل إلى اللين فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة، وإذا كان خلقه يميل إلى الشدة فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين ليعتدل الأمر، ولهذا كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يؤثر استنابة خالد، [1] الخلافة والخلفاء الراشدون للبهنساوي: ص 112. الخلفاء الراشدون للنجار: ص 85. [2] فتح الباري: 7/ 101. [3] أبو بكر الصديق أفضل الصحابة وأحقهم بالخلافة: ص 193، 194.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 253