اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 241
قال الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف للندى ... مضر كوضع السيف في موضع الندى (1)
وفي موقف الصديق في عدم قبول استسلام هؤلاء المحاربين وعدم قبول الصلح إلا بحرب مجلية أو خطة مخزية إظهار عزة الإسلام وهيبة دولته، فكانت شروطه في الصلح قوية وكان من أشدها عليهم مصادرة أسلحتهم وخيولهم، وكان هذا الشرط مؤقتًا بظهور صدق توبتهم وخضوعهم لدولة الإسلام، وقد كان لا بد منه لضمان عدم عودتهم إلى التمرد
مرة أخرى [2].
نصح عدي بن حاتم لقومه والحرب النفسية التي شنها عليهم:
قدم عدي على قومه طئ فدعاهم للرجوع للإسلام فقالوا: لا نبايع أبا الفصيل أبدًا [3]، فقال: لقد أتاكم قوم ليبيحن حريمكم ولتكننه بالفحل الأكبر فشأنكم به، فقالوا له: فاستقبل الجيش فنهنهه [4] عنا حتى نستخرج من لحق بالبزاخة منا، فإنا إن خالفنا طليحة وهم في يديه قتلهم أو ارتهنهم، فاستقبل عدي خالدًا وهو بالسنح فقال: يا خالد أمسك عني ثلاثًا يجتمع لك خمسمائة مقاتل تضرب بهم عدوك، وذلك خير من أن تعجلهم إلى النار وتتشاغل بهم، ففعل، فعاد عدي بإسلامهم إلى خالد. [5] فهذا موقف استطاع فيه عدي أن يقنع قبيلته بفرعيها بني الغوث وبني جديلة بالتخلي عن معسكر طليحة والانضمام إلى جيش خالد بن الوليد، وهذا تحول مهم في تقرير نتائج معركة بزاخة الحاسمة، فهذا موقف عظيم يسجل لعدي - رضي الله عنه - إلى جانب موقفه الأول حينما قدم على الصديق بصدقات قومه، وكان المسلمون بأمس الحاجة إلى المال آنذاك، ولقد كان إسلامه من أول يوم إسلام رجل العلم والفهم، فكان عن قناعة واختيار، وكان واثقًا من انتصار الإسلام والمسلمين في النهاية، كما بشره بذلك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يوم إسلامه، فكان لإيمانه القوي أثر في إقناع قومه في العدول عما توجهوا إليه من
(1) التاريخ الإسلامي: 9/ 64، 65. [2] نفس المصدر السابق: 9/ 66. [3] يريدون بذلك أبا بكر - رضي الله عنه -، والبكر والفصيل: اسمان لولد الناقة. [4] أي: ادفعه وكفه. [5] التاريخ الإسلامي: 9/ 57.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 241