اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 205
ويوم بالأبارق قد شهدنا ... على ذبيان يلتهب التهابا
أتيناهم بداهية نَسُوفٍ [1] ... مع الصديق إذ ترك العتابا (2)
وهكذا يتعلم المسلمون من سيرة الصديق بأنه لم يكن يرغب بنفسه عن نفوس أتباعه بأي أمر من أمور الدنيا، وما اضطربت أمور المسلمين منذ زمن إلا لأنهم كانوا يعدون الرئاسة وسيلة للجاه وبابًا لجلب المغانم ودرء المغارم، وإيثار للعافية والاكتفاء بالكلمات تزجي من وراء أجهزة الإعلام أو من غرف العمليات، بعيدًا عن المشاركة مشاركة حقيقة في قضايا الأمة المختلفة [3].
إن خروج الصديق - رضي الله عنه - للجهاد ثلاث مرات متتالية يعتبر تضحية كبيرة وفدائية عالية، فقد ناشده المسلمون أن يبقى في المدينة ويبعث قائدًا على الجيش فلم يقبل؛ بل قال: لا والله لا أفعل ولأواسينكم بنفسي. وهذا يدل على تواضعه الجم واهتمامه الكبير بمصلحة الأمة، وتجرده من حظ النفس، وقد أصبح بذلك قدوة صالحة لغيره، فلا شك أن خروجه للجهاد ثلاث مرات متتاليات وهو الشيخ الذي بلغ الستين من عمره، قد أعطى بقية الصحابة دفعات قوية من النشاط والحيوية [4].
وقد جاء في إحدى هذه الروايات أن ضرار بن الأزور حينما أخبر أبا بكر الصديق بخبر تجمع طليحة الأسدي قال: فما رأيت أحدًا -ليس رسول الله - أملأ بحرب شعواء من أبي بكر، فجعلنا نخبره ولكأنما نخبر بما له ولا عليه [5].
وهذا وصف بليغ لما كان يتصف به أبو بكر من اليقين الراسخ والثقة التامة بوعد الله تعالى لأوليائه بالنصر على الأعداء والتمكين في الأرض، فأبو بكر لم يَفُق الصحابة بكبير عمل، وإنما فاقهم بحيازة الدرجات العلى من اليقين، رضي الله عنهم أجمعين [6].
وقد روى أنه لما قيل له: لقد نزل بك ما لو نزل بالجبال لهاضها وبالبحار لغاضها، وما نراك ضعفت. فقال: ما دخل قلبي رعب بعد ليلة الغار، فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما رأى حزني [1] أي: شاقة.
(2) أي: ترك إقالة العثرات؛ تاريخ الطبري: 4/ 67. [3] حركة الردة للعتوم: ص 321. [4] التاريخ الإسلامي للحميدي: 9/ 48. [5] التاريخ الإسلامي للحميدي: 9/ 48. [6] التاريخ الإسلامي للحميدي: 9/ 48.
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 205