اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 146
عام الحرَّ عشرة والمملوك عشرة، وأعطى المرأة عشرة، وأَمَتَها عشرة، ثم قسم في العام الثاني، فأعطاهم عشرين عشرين، فجاء ناس من المسلمين فقالوا: يا خليفة رسول الله: إنك قسمت هذا المال فسويت بين الناس، ومن الناس أناس لهم فضل وسوابق وقدم، فلو فضلت أهل السوابق والقدم والفضل. فقال: أما ما ذكرتم من السوابق والقدم والفضل فما أعرفني بذلك، وإنا ذلك شيء ثوابه على الله جل ثناؤه، وهذا معاش، فالأسوة فيه خير من الأثرة. [1] فقد كان توزيع العطاء في خلافته على التسوية بين الناس، وقد ناظر الفاروق عمر أبا بكر في ذلك فقال: أتسوي بين من هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين، وبين من أسلم عام الفتح؟ فقال أبو بكر: إنما عملوا لله، وإنما أجورهم على الله، وإنما الدنيا بلاغ للراكب.
ورغم أن عمر - رضي الله عنه - غير في طريقة التوزيع فجعل التفضيل بالسابقة إلى الإسلام
والجهاد إلا أنه في نهاية خلافته قال: لو استقبلت من أمري ما استدبرت لرجعت إلى
طريقة أبي بكر فسويت بين الناس [2].
وكان يشتري الإبل والخيل والسلاح فيحمل في سبيل الله، واشترى عامًا قطائف (القطيفة: كساء مخمل) أتى بهما من البادية، ففرقها في أرامل أهل المدينة في الشتاء، وقد بلغ المال الذي ورد على أبي بكر في خلافته مائتي ألف وزعت في أبواب الخير [3].
لقد اتبع أبو بكر - رضي الله عنه - المنهج الرباني في إقرار العدل، وتحقيق المساواة بين الناس، وراعى حقوق الضعفاء، فرأى أن يضع نفسه في كفة هؤلاء الواهنة أصواتهم فيتبعهم بسمع مرهف وبصر حاد وإرادة واعية لا تستذلها عوامل القوة الأرضية تحت أقدام قومه، ويرفع بالعدل رؤوسهم فيؤمن به كيان دولته، ويحفظ لها دورها في حراسة الملة والأمة [4].
لقد قام الصديق منذ أول لحظة بتطبيق هذه المبادئ السامية؛ فقد كان يدرك أن [1] أبو بكر الصديق، لطنطاوي، ص 187، 188. ابن سعد: 3/ 193. [2] الأحكام السلطانية للماوردي: ص 201. [3] تاريخ الدعوة إلى الإسلام: ص 258. [4] أبو بكر رجل الدولة: 46
اسم الکتاب : الانشراح ورفع الضيق في سيرة أبي بكر الصديق المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 146