اسم الکتاب : الثمار الزكية للحركة السنوسية في ليبيا المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 152
يستخدم الشدة لكونها أنسب، وأوقع، وأعمق أثراً، فكان يقدر للأمور قدرها ويعطي كل موقف حقه من اللين والرفق أو الشدة والحزم، قال الشاعر:
فقسا ليزدجروا ومن يك حازماً
فليقس أحياناً على من يرحم (1)
قال بعض المفسرين في قوله تعالى: {وقولوا للناس حسناً} (البقرة، آية: 83).
إن القول الحسن ليس هو عبارة عن القول الذي يشتهيه المدعو ويوافق هواه ويحبه بل القول الحسن هو الذي يحصل انتفاعه به سواء حصل عن طريق اللين، والرفق أو الشدة والحزم، وعلى هذا قد تكون الشدة من القول الحسن [2].
لذلك كان ابن السنوسي ضابطاً لأتباعه يحسن توجيههم ولايتهاون في معاقبة المنحرف منهم. وقد حكى أحمد الشريف في رحلته عن أحد شيوخ الحركة واسمه المدني التلمساني، أنه كان مقدم احدى الزوايا في الصحراء " فثار بها للجهاد في كافر وأمه جاءا سائحين، الكافر يداوي الرجال وأمه كحالته تداوي النساء، فلم يشعرا إلا والمجاهد قد قام عليهما ومعه المعاون سيدي عبد الهادي الفاسي خرجا بسلاحيهما حامل غدرية عربية وبندقية قصيرة والمعاون متقلداً سيفاً قد أخرج من نصله قدر ثلاثة اصابع لارهاب العدو، فصادفا حاكم البلاد وهو تركي؛ فقال لهم القايم للجهاد: اليوم يخرج النصراني من البلاد، فقال له: امهله اليوم وغداً يخرج فقال المجاهد لابد أن يخرج اليوم، فتلطف التركي معه فلم يفد. فقال له: أنت مهبول ياسي الشيخ؛ فانتهره المجاهد فقال له: أنا مهبول يالحمار وخلفهما كل من قاربهما في الحال من أهل البلاد ثم جاء أكابر أهل البلاد وأرادوا تسكين هذه الثورة فما سكت إلا بشدة وقع فيها ضرب بعض المشايخ، ضربهم أصحاب القائم. وخرج النصراني وأمه في تلك الليلة. فلما وصل الخبر الى الاستاذ الجد أرسل إليهما فسبق المعاون فهجره أياماً حتى قدم القائم فخاصمهما وقال لهما: أنا ارسلتكما للقراءة والدلالة على الخير أو أرسلتكما حاكمين؟ ولم يرجعا الى محلهما) [3].
فهذه الحادثة تعطي للباحث فكرة عن ضيق افق مقدم الزاوية وعن موقف ابن
(1) انظر: شرح الحماسة للمرزوقي (3/ 1121). [2] انظر: مفاتيح الغيب للرازي (3/ 168). [3] انظر: الرحلة، لأحمد الشريف، مخطوط ص20.
اسم الکتاب : الثمار الزكية للحركة السنوسية في ليبيا المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 152