responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 87
من ذكائه، ودهائه ما يواجه به الفتن، ومن أجل ذلك ما إن تقع المعضلة حتَّى يرسلها لابن أبي سفيان كي يحلَّها، وفعلاً بذل معاوية رضي الله عنه ما بوسعه من أجل إقناع هؤلاء النَّفر: أكرمهم أوّلاً، وخالطهم، وجالسهم، وعرف سرائرهم من خلال هذه المجالسة قبل أن يحكم عليهم بما نُقل عنهم، وبعد أن أزال الوحشة عنهم، وأزال الكلفة بينه وبينهم، لاحظ أنَّ النَّعرة القبلية هي التي تحرِّكهم، وأنَّ شهوة الحكم والسُّلطة هي التي تثيرهم، فكان لا بدَّ أن يلج عليهم من زاويتين اثنين:
الأولى: أثر الإسلام في عزَّة العرب.
الثانية: دور قريش في نشر الإسلام وتحمُّل أعبائه فإن كان للإسلام أثرٌ في تكوينهم، فلا بدَّ أن يرعَوَا لهذا الحديث، بعد هذا وضع أمامهم صورة لوضع العرب، وقد انقلبوا بالإسلام أمَّة واحدة تخضع لإمام واحد وودعوا حياة الفوضى، وسفك الدِّماء، والقبليَّة المنتنة [1]، ويتابع معاوية حديثه معهم، فيقول: إن أئمَّتكم لكم إلى اليوم جُنَّة [2]، فلا تشذوا عن جنَّتكم، وإنَّ أئمتكم اليوم يصبرون لكم على الجور، ويحتملون منكم المؤونة، والله لتنتهنَّ أو ليبتلينَّكم الله بمن يسومكم، ثمَّ لا يحمدكم على الصَّبر، ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرَّعيَّة في حياتكم، وبعد موتكم، فقال رجل من القوم: أمَّا ما ذكرت من قريش، فإنها لم تكن أكثر العرب، ولا أمنعها في الجاهلية، فتخوفنا، وأما ما ذكرت من الجُنَّة، فإن الجُنَّة إذا اخترقت خلص إلينا. فقال معاوية: عرفتكم الآن، علمت: أن الذي أغراكم على هذا قلة العقول، وأنت خطيب القوم، ولا أرى لك عقلاً. أُعْظِم عليك أمر الإسلام، وأذكِّرك به، وتذكِّرني الجاهليَّة؟ وقد وعظتك وتزعم لما يُجنُّك: أنه يخترق، ولا ينسب ما يخترق إلى الجُنَّة، أخزى الله أقواماً أعظموا أمركم، ورفعوا إلى خليفتكم [3].
وعرف معاوية أنَّ الإشارة العابرة لن تقنعهم، ولا بد من شرح مسهب لواقع قريش أوَّلاً، فقال: افقهوا ـ ولا أظنكم تفقهون ـ أنَّ قريش لم تعزَّ في جاهليةٍ ولا في إسلام إلا بالله، عزَّ وجلَّ ـ، لم تكن أكثر العرب، ولا أشدَّهم، ولكنَّهم كانوا أكرمهم أحساباً، وأمحضهم أنساباً، وأعظمهم أخطاراً، وأكملهم مروءةً، ولم يمتنعوا في الجاهلية والناس يأكل بعضهم بعضاً، إلا بالله الذي لا يُستَذَل من أعزَّ، ولا يوضع من رفع، هل تعرفون عرباً، أو عجماً، أو سوداً، أو حمراً إلا قد اصابه الدّهر في بلده، وحرمته بدولةٍ، إلا ما كان من قريش، فإنَّه لم يردهم أحد بكيد إلا جعل الله خدَّه الأسفل، حتى أراد الله أن ينقذ من أكرم، واتَّبع دينه من هوان الدٌّنيا، وسوء مردِّ الآخرة، فارتضى لذلك خير خلقه، ثمَّ ارتضى له أصحاباً، فكان خيارهم قريشاً، ثمَّ بنى هذا الملك عليهم، وجعل هذه الخلافة فيهم، ولا يصلح ذلك إلا عليهم، فكان الله

[1] معاوية بن أبي سفيان، لمنير الغضبان صـ 101.
[2] جنة: وقاية.
[3] تاريخ الطبري (5/ 324).
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 87
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست