اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 68
النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن نزوله بها نفياً قصرياً، أو إقامة جبرية، ولم يأمره الخليفة بالرّجوع عن رأيه، لأن له وجهاً مقبولاً، لكنَّه لا يجب على المسلمين الأخذ به [1].
وأصحُّ ما روي في قصة أبي ذرّ رضي الله عنه ما رواه البخاري في صحيحه عن زيد بن وهب، قال: مررت بالرَّبذة، فإذا أنا بأبي ذرٍّ رضي الله عنه فقلت له: ما أنزلك منزلك هذا؟ قال: كنت بالشَّام، فاختلفت أنا ومعاوية في ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أليم)) (التوبة، آية: 34) قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا، وفيهم، فكان بيني وبينه في ذاك، وكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إليَّ عثمان أن أقدم المدينة، فقدمتها، فكثر عليَّ الناس حتَّى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرت ذلك لعثمان، فقال لي: إن شئت فكنت قريباً فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أمّروا عليَّ حبشيّاً، لسمعت وأطعت [2]. وقد أشار هذا الأثر إلى أمور مهمة منها:
أـ سأله زيد بن وهب، ليتحقَّق ممَّا اشاعه مبغضون عثمان: هل نفاه عثمان أو اختار أبو ذرّ المكان؟ فجاء سياق الكلام: أنه خرج بعد أن كثر النّاس عليه يسألونه عن سبب خروجه من الشَّام، وليس في نص الحديث: أنَّ عثمان أمره بالذهاب إلى الربذَّة، بل اختارها بنفسه، ويؤيد هذا ما ذكره ابن حجر عن عبد الله بن الصَّامت قال: دخلت على أبي ذرِّ عند عثمان، فحسر رأسه، فقال: والله ما أنا منهم ـ يعني: الخوارج ـ فقال: إنَّما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة، فقال: لا حاجة لي في ذلك، إئذن لي بالرَّبذة. قال: نعم [3].
ب ـ قوله: كنت بالشَّام: بيَّن السَّبب في سكناه الشَّام، ما أخرجه أبو يعلي عن طريق زيد بن وهب: حدَّثني أبو ذرَّ، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ البناء ـ أي المدينة ـ سَلْعَاً، فارتحل إلى الشَّام. فلمَّا بلغ البناء سلعاً، قدمت الشام فسكنت فيها [4].
جـ ـ إنَّ قصة أبي ذرِّ في المال جاء من اجتهاده في فهم الآية الكريمة ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أليم* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)) (التوبة، آية: 34 ـ 35). وروى البخاري عن أبي ذرِّ ما يدل على أنَّه فسرَّ الوعيد ((يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا)) الآية، وكان يخوِّف النَّاس به، فعن الأحنف بن قيس، قال: جلستُ إلى ملأ من قريش في مسجد المدينة، فجاء رجل خَشِن الشَّعر، والثّياب، والهيئة، حتى قام عليهم، فسلَّم، ثم [1] المدينة المنورة، فجر الإسلام (2/ 217). [2] البخاري، ك الزكاة رقم 1406. [3] فتح الباري (3/ 274). [4] المدينة المنورة فجر الإسلام (2/ 219).
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 68