اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 604
ز- عدم مد الخليفة -عبد الله بن الزبير- أخاه بالقوات والجند, وكان الأجدر به أن يمده بكل ما يستطيع, لأن ضياع العراق من يديه يعني فقدان الموارد المالية وبداية الانهيار السياسي [1].
2 - أثر مقتل مصعب على ابن الزبير وخطبته: لما بلغ عبد الله بن الزبير قتل أخيه مصعب, قام فخطب في الناس, فقال: الحمد لله الذي له الخلق والأمر, يؤتي الملك من يشاء, وينزع الملك ممن يشاء, ويعز من يشاء, ويذل من
يشاء, ألا إنه لن يذل الله من كان الحق معه, وإن كان فردًا, ولم يعز من كان وليه الشيطان وحزبه وإن كان معه الأنام طُرًّا, ألا وإنه قد أتانا من العراق خبر أحزننا وأفرحنا, أتانا قتل مصعب -رحمه الله- فأما الذي أفرحنا فعلمنا أن قتله له شهادة, وأما الذي أحزننا فإن لفراق الحميم لوعة يجدها حميمه عند المصيبة, ثم يرعوي بعدها ذوو الرأي إلى جميل الصبر, وكريم العزاء, ولئن أصبت بمصعب لقد أصبت بالزبير قبله, وما أنا من عثمان بخلو مصيبة, وما مصعب إلا عبد من عبيد الله وعون من أعواني, إلا أن أهل العراق -أهل الغدر والنفاق- أسلموه وباعوه بأقل الثمن, فإن يقتل فإنا -والله- ما نموت على مضاجعنا كما تموت بنو العاص, والله ما قتل منهم رجل في زحف في الجاهلية ولا الإسلام, وما نموت إلا قعصًا [2] بالرماح وموتًا تحت ظلال السيوف. ألا إنما الدنيا عارية من الملك الأعلى الذي لا يزول سلطانه, ولا يبيد ملكه, فإن تقبل لا آخذها أخذ الأشِر البَطر, وإن تدبر لا أبك عليها بكاء الحَرِق المهين. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم [3].
3 - رأي عبد الملك في مصعب بن الزبير: لما وضع رأس مصعب بين يدي عبد الملك, بكى وقال: ما كنت أقدر أن أصبر عليه ساعة واحدة من حبي له, حتى دخل السيف بيننا, ولكن الملك عقيم [4]. لقد نسي عبد الملك كل ما كان بينه وبين مصعب, ولم يذكر إلى الكرسي وسلطة الحكم, حتى إذا ما تم له الأمر, وخلص له الحكم, أخذ يتحدث عما كان بينهما من المودة والخُلة, وراح يذكر
محاسنه في مجالسه, وهو يعلم أن ذلك لن يضر ملكه شيئًا [5]. روى ابن كثير أن عبد الملك قال يومًا لجلسائه: من أشجع العرب؟ قالوا: شبيب, قطري بن الفجاءة, وفلان, وفلان. فقال عبد الملك: إن أشجع العرب لرجل جمع بين سكينة بنت الحسين, وعائشة بنت طلحة, وأمة الحميد بنت عبد الله بن عامر بن كُريز, وأمه رباب بنت أُنيف الكلبي, سيد ضاحية العرب, وولي العراقين [1] نفس المصدر السابق. [2] القعص: الموت السريع. [3] تاريخ الطبري (7/ 53). [4] المصدر نفسه (7/ 47). [5] الأمويون (1/ 380).
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 604