اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 581
ج- بكاء مروان بن الحكم في مرج راهط:
وروي أن مروان بن الحكم لما جيء برأس الضحاك إليه ساءه ذلك وقال: الآن حين كبرت سني ودق عظمي, وصرت في مثل ظمء الحمار [1] , أقبلت
بالكتائب أضرب بعضها ببعض [2]. وروي أنه بكى على نفسه يوم مرج راهط [3] وقال: أبعد ما كبرت وضعفت صرت إلى أن أقتل بالسيوف على الملك [4] وفي رواية عن مالك قال: قال مروان: قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة, ثم أصبحت فيما أنا فيه من إهراق الدماء, وهذا الشأن [5]. إن ندم مروان في مثل هذا الموقف وبعد أن تحقق له النصر, وتأكدت له طرق الحكم, وتمهدت له سبل الوصول إلى غايته, لدليل قاطع على ما كان يجيش به قلب مروان من عامل الخير, لقد كان هذا النصر جديرًا أن ينسيه كل منغصات الحياة, وكان فوزه بالخلافة حقيقًا بأن ينفي عنه كل ما يسبب له الندم, ويعكر له الصفو, فما بال مروان يندم وهو في هذه الظروف التي تزيل الهم عن النفس وتبعد الندم [6] لطالبي الملك والزعامة والسلطان؟ !
وأغلب الظن أنه تورط في طلبه للخلافة, ودفعه إلى هذا المستنقع الآسن أناس لهم مصالح دنيوية لا تخفى, فشعر بوخز الضمير, وخاف على نفسه من سوء الخاتمة بعد أن ولغت يداه في دماء المسلمين من أجل الحطام الزائل.
ثالثًا: ضم مصر إلى الدولة الأموية ومحاولة إعادة العراق والحجاز
مكّن انتصار مروان في معركة مرج راهط لدولته في الشام فبسط نفوذه عليها, وكانت خطوته التالية هي المسير إلى مصر لاستردادها من عامل ابن
الزبير, وكانت هذه خطوة تدل على ذكاء مروان, فلمصر أهميتها الكبيرة, واستيلاؤه عليها يدعم موقفه في مواجهة ابن الزبير, ولم يكن استيلاؤه عليها صعبًا, فمعظم المصريين هواهم مع بني أمية, وبيعتهم لابن الزبير لم تكن خالصة وإنما كانت بيعة ضرورة [7] , ودعا مروان شيعة بني أمية بمصر سرًا [8] وهذا ما يفسر سهولة استيلاء مروان على مصر, فقد سار إليها بجيشه, ومعه عمرو بن سعيد, وخالد بن يزيد بن معاوية, وحسان بن مالك, ومالك بن هبيرة وابنه عبد العزيز [9] , ودارت بين مروان وابن جحدم عدة معارك انتصر فيها مروان وهرب ابن جحدم, ثم جاء إلى مروان طالبًا العفو على أن يخرج إلى مكة,
فعفا عنه.
وكان نجاح مروان في استرداد مصر في جمادى الآخرة سنة 65هـ [10] , وأقام في مصر شهرين لترتيب الأوضاع والاطمئنان عليها, ولما عزم على العودة [1] تاريخ الطبري (6/ 474). [2] تاريخ الطبري (6/ 474). [3] البداية والنهاية (11/ 676). [4] نفس المصدر السابق. [5] سير أعلام النبلاء (3/ 479). [6] الأمويون, محمد الوكيل (1/ 307). [7] العالم الإسلامي في العصر الأموي ص144. [8] الولاة والقضاء للكندي ص41،42. [9] المصدر نفسه ص42. [10] المصدر نفسه ص41, العالم الإسلامي في العصر الأموي ص144.
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 581