اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 557
بن مرة [1]، وكانت من أوائل المسلمات حيث أسلمت وأختها عائشة وهي يومئذ صغيرة [2]. ولها مواقف مشهودة، وآثار محمودة في تاريخنا الإسلامي المجيد.
ومن هذه المواقف:
1 - في الهجرة النبوية: قالت السيدة عائشة في حديث طويل منه: فبينما نحن
يومًا جلوس في بيت أبى بكر، عند الظهيرة، قال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله متقنعًا [3] في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداء له أبى وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر .. إلى أن قالت: .. فجهزناهما أحث الجهاز (من الحثّ وهو الإسراع) ووضعنا لهما سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت بذات النطاقين [4]. فقد أسهمت السيدة أسماء رضي الله عنها في تموين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه في الغار بالماء والغذاء، وكيف تحملت الأذى في سبيل الله، فقد حدثتنا عن ذلك فقالت: لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر - رضي الله عنه - أتانا نفر من قريش، فيهم أبو جهل بن هشام، فوقفوا على باب أبى بكر، فخرجت إليهم، فقالوا: أين أبوك يا بنت أبى بكر؟ قالت: قلت: لا أدرى والله أين أبى قالت: فرفع أبو جهل يده - وكان فاحشًا - فلطم خديّ لطمة، طرح منها قرطي، قالت: ثم انصرفوا [5]، فهذا درس من أسماء والدة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، تعلّمه لنساء المسلمين جيلاً بعد جيل، كيف تخفى أسرار المسلمين عن الأعداء، وكيف تقف صامدة شامخة أمام قوى البغي والظلم، وأما درسها الثاني البليغ، فعندما دخل عليها جدها أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله ونفسه.
قالت: كلا يا أبت، إنه قد ترك لنا خيرًا كثيرًا، قالت: فأخذت أحجارًا فوضعتها في كوة في البيت كان أبى يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوبًا، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يديك على هذا المال، قالت: ووضع يده عليه فقال: لا بأس، إذا كان ترك لكم هذا، فقد أحسن، وفي هذا
بلاغ لكم، قالت: ولا والله ما ترك لنا شيئًا ولكني أردت أن أسكن
الشيخ بذلك [6].
وبهذه الفطنة، والحكمة، سترت أسماء أباها، وسكنت قلب جدها الضرير، من غير أن تكذب، فإن أباها قد ترك لهم حقًا هذه الأحجار التي كومتها، لتطمئن لها نفس الشيخ! إلا أنه قد ترك لهم معها إيمانًا بالله لا تزلزله الجبال، ولا تحركه العواصف الهوج، ولا يتأثر بقلة أو كثرة في المال، وورثهم يقينًا، وثقة بلا حد لها، وغرس فيهم همة تتعلق بمعالي الأمور ولا تلتفت إلى سفاسفها [7]، فضرب بهم [1] الطبقات الكبرى (3/ 119). [2] السيرة النبوية (1/ 271)، عبد الله بن الزبير، للناطور ص 17. [3] متقنعًا: مغطيًا رأسه. [4] البخاري رقم 3905، السيرة النبوية للصّلاّبي (1/ 463). [5] تاريخ الطبري (2/ 379، 380)، السيرة النبوية لابن هشام (2/ 131، 132). [6] السيرة النبوية لابن هشام (2/ 102)، إسناده صحيح. [7] السفساف: الردئ الحقير من كل شيء، والجمع: سفاسف.
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 557