اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 549
وكان عدد المقاتلين الذين اشتركوا مع ابن الزبير أقل بكثير من المقاتلين الذين اشتركوا في معركة الحرّة، ولم تكن القوات متكافئة وتحول الوضع لصالح الحصين بن نمير، بعد أن مني ابن الزبير بفقد خيرة أصحابه، مثل أخواه المنذر وأبو بكر ابنا الزبير، ومصعب بن عبد الرحمن، وحذافة بن عبد الرحمن بن العوام، وعمرو بن عروة بن الزبير [1]، وبعد ثلاثة أيام من ربيع الأول سنة 64 هـ قام الحصين بن نمير بنصب المنجنيق على جبل أبي قبيس [2]، وجبل قعيقعان (3)
وفقد ابن الزبير أهم مستشاريه ومناصريه، وهو المسور بن مخرمة بعد أن أصابه بعض أحجار المنجنيق، وانكشفت مواقع ابن الزبير أمام الحصين بن نمير، ولم يبق مأمن لابن الزبير من أحجار المنجنيق سوى الحجر [4]، وحوصر ابن الزبير حصاراً شديداً ولم يعد يملك إلا المسجد الحرام فقط بعد أن فقد مواقعه المتقدمة في الأبطح [5]، وفي أثناء احتدام المعارك بين ابن الزبير والحصين بن نمير احترقت الكعبة وهذه مصيبة أضيفت إلى مصائب المسلمين التي نتجت عن استحلال القتال في البلد الحرام الذي حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم القتال فيه [6]، وكان يزيد بن معاوية قد مات في منتصف شهر ربيع الأول [7]، ولم يعلم أحد بموته نظراً لبعد المسافة بين مكة ودمشق، وقد جاء الخبر بموت يزيد إلى مكة لهلال شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين [8].
ولم تكن الكعبة مقصودة في ذاتها بالإحراق والدليل على ذلك ما أحدثه حريق الكعبة من ذهول وخوف من الله في كلا الطائفتين [9] جيش الحصين بن نمير، وجيش ابن الزبير، فقد نادى رجل من أهل الشام بعد أن احترقت الكعبة وقال: هلك الفريقان والذي نفس محمد بيده [10]، وأما أصحاب ابن الزبير، فقد خرجوا كلهم في جنازة امرأة ماتت في صبيحة ليلة الحريق خوفاً من أن ينزل العذاب بهم، وأصبح ابن الزبير ساجداً ويقول: اللهم إني لم أتعمد ما جرى فلا تهلك عبادك بذنبي، وهذه ناصيتي بين يديك [11]. وأهل الشام بالرغم من جهل [1] جمهرة نسب قريش صـ362. [2] جبل أبي قبيس: وهو أحد أخشبي مكة وهو جبل مطل على الصفا.
(3) قيعقعان: جبل بمكة .. [4] المحن لأبي العرب صـ203. [5] تاريخ خليفة صـ251 بإسناد صحيح حتى ابن جريج. [6] مواقف المعارضة صـ548. [7] أنساب الأشراف (4/ 344)، تعجيل المنفعة صـ453. [8] مواقف المعارضة صـ48، أخبار مكة (1/ 197). [9] أخبار مكة (1/ 203). [10] تاريخ خليفة صـ252 بإسناد صحيح. [11] مواقف المعارضة صـ552، الأغاني (3/ 227).
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 549