اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 363
إسناد القيادة إلى عقبة بن نافع خطوة موفقة في طريق فتح شمال إفريقيا كله، ذلك أنه لطول إقامته في برقة وزويلة وما حولها، منذ فتحها أيام عمرو بن العاص، أدرك أنه لكي يستقر الأمر للمسلمين في إفريقية ويكف أهلها عن الارتداد، فلا بد من بناء قاعدة ثابتة للمسلمين ينطلقون منها في غزواتهم، ويعودون إليها ويأمنون فيها على أهلهم وأموالهم، فلما أسند إليه معاوية بن أبي سفيان قيادة الفتوحات في إفريقية، أرسل إليه عشرة آلاف فارس وانضم إليه من اسلم من البربر فكثر جمعه [1]، وسار في جموعة حتى نزل بمغمداش من سرت [2]، فبلغه أن أهل ودان [3] قد نقضوا عهدهم مع بسر بن أبي أرطأة الذي كان عقده معهم حين وجهه إليهم عمرو بن العاص ومنعوا ما كانوا اتفقوا عليه من الجزية، فوجه إليهم عقبة قسماً من الجيش عليهم عمر بن علي القرشي وزهير بن قيس البلوي، وسار معهم بالقسم الآخر من الجيش واتجه إلى فزان ([4])،
فلما دنا منها دعاهم إلى الإسلام فأجابوا [5]، ثم واصل فتوحاته، فتح قصور كُوّار [6]، وخاور [7]، وغدامس [8]، وغيرها [9]، ومما يلاحظ أن عقبة تجنّب في مسيرة المناطق الساحلية، فقصد المناطق الداخلية يفتحها بلداً بلداً، ويبدو أنه فعل ذلك ليأخذ البربر إلى جانبه ويقيم جبهة داخلية تحيط بالبيزنطيين على الساحل وتمدّه بالطاقات البشرية للاستقرار والإطاحة بالوجود البيزنطي [10].
ثالثاً: بناء مدينة القيروان:
في سنة 50 هـ بدأت إفريقية الإسلامية عهداً جديداً مع عقبة بن نافع، المتمرس بشؤون إفريقية منذ حداثة سنّه، فقد لاحظ كثرة ارتداد البربر، ونقضهم العهود، وعلم أن السبيل الوحيد للمحافظة على إفريقية ونشر الإسلام بين أهلها هو إنشاء مدينة تكون محط رحال المسلمين، ومنها تنطلق جيوشهم فأسس مدينة القيروان وبنى جامعها [11]، وقد مهد عقبة [1] الكامل في التاريخ (2/ 483). [2] سرت مدينة بين برقة وطرابلس، معجم البلدان (3/ 206). [3] ودان جنوب إفريقية بينها وبين زويلة عشرة أيام من جهة إفريقية، معجم البلدان (5/ 365، 366). [4] فزان: جنوب ليبيا ولاية واسعة كانت عاصمتها زويلة .. [5] فتوح مصر صـ132. [6] إقليم ببلاد السودان الغربي جنوب فزان معجم البلدان (4/ 486). [7] خاور: مدينة جنوب فزان. [8] غدامس: مدينة جنوب ليبيا قرب الحدود الجزائرية. [9] العالم الإسلامي في العصر الأموي صـ296. [10] دراسة في تاريخ الخلفاء الأمويين صـ280. [11] مدرسة الحديث في القيروان (1/ 38).
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 363