اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 247
نعم، قال: ثم غدوت! قال: نعم، ولم يكن جزاؤك مع إحسانك أن تعاقب بسببي، وأصبح عبيد الله فجعل يقتل الخوارج، ثم دعا مرداس، فلما حضر وثب السجان ـ وكان ظئراً [1] لعبيد الله، فأخذ بقدمه، ثم قال: هب هذا، وقص عليه قصته، فوهبه له وأطلقه [2]. وقد أشار البلاذري إلى أن عزم عبيد الله بن زياد على قتل من في السجن من الخوارج كان بسبب إقدام بعضهم على قتل أحد الحرّاس [3]. ثم أن مرداس خاف ابن زياد فخرج في أربعين رجلاً إلى الأهواز، فكان إذا اجتاز به مال لبيت المال أخذ منه عطاءه وعطاء أصحابه ثم يرد الباقي، فلما سمع ابن زياد خبرهم بعث إليهم جيشاً عليهم أسلم بن زرعة الكلابي سنة ستين، وقيل أبو حصين التميمي، وكان الجيش ألفيْ رجل، فلمّا وصلوا إلى أبي بلال ناشدهم الله أن يقاتلوه فلم يفعلوا، ودعاهم أسلم إلى معاودة الجماعة، فقالوا: أتردَّوننا إلى ابن زياد الفاسق؟ فرمى أصحاب أسلم رجلاًمن أصحاب أبي بلال فقتلوه، فقال أبو بلال: قد بدؤوكم بالقتال.
فشدّ الخوارج علىأسلم وأصحابه شدّة رجل واحد فهزموهم فقدموا البصرة، فلام ابن زياد أسلم وقال: هزمك أربعون وأنت في ألفين، لا خيرَ فيك. فقال: لأن تلومني وأنا حي خير من تثني عليّ وأنا ميت، فكان الصبيان إذا رأوا أسلم صاحوا به: أما أبو بلال وراءك! فشكا ذلك إلى ابن زياد، فنهاهم فانتهوا [4] فهذه أهم حركات الخوارج في عهد معاوية.
ثالثاً: أهم الدروس والعبر والفوائد:
أهم الدروس والعبر والفوائد في محاربة معاوية للخوارج:
1 ـ إن الناظر في سلوك الخوارج زمن معاوية يجد أن خروجهم في ذلك العهد كان يستهدف إزعاج نظام حكم بني أمية وإضعافه، دون أن يكون لهم أمل في القضاء عليه [5].
2 ـ كانت بعض هذه الحركات مقتصرة على المجموعات المنسحبة من النّهروان والتي ظلت مشتتة في الأرياف وعدم وجود ما يشير إلى مشاركة الخوارج المقيمين في الكوفة فيها، وهو ما يؤكد عدم حصول تحوّل في موقف هؤلاء رغم التغيير الذي طرأ على السلطة [6].
3 ـ ومن الملاحظات، ما يخصّ الكوفيين الذين أبدى العديد منهم حماساً في محاربة الخوارج، وإذا كنا نعتقد أن تهديدات معاوية وعداء بعض الكوفيين للخوارج بسبب موقفهم من علي قد لعبت دوراً في دفع هؤلاء إلى المشاركة في قمع الثائرين، فإننا لا نستبعد أن تكون الرغبة الملحّة في إنهاء الحروب والانقسامات والعودة إلى الوحدة قد ساهمت بدورها في دفع [1] أي زوج مرضعته، لسان العرب (4/ 515). [2] تاريخ الطبري (6/ 231). [3] أنساب الأشراف (4/ 181). [4] الكامل في التاريخ (2/ 518). [5] الخوارج في العصر الأموي، نايف معروف صـ130. [6] حركة الخوارج، لطيفة البكّاي صـ60.
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 247