responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 207
ذلك على سبيل المداعبة لسعد، وأراد من ذلك استظهار بعض فضائل علي ـ رضي الله عنه ـ فإن معاوية ـ رضي الله عنه ـ كان رجلاً فطناً ذكياً، يحب مطارحة الرجال واستخراج ما عندهم، فأراد أن يعرف ما عند سعد في علي ـ رضي الله عنه ـ فألقى سؤاله بهذا الأسلوب المثير. وهذا مثل قوله ـ رضي الله عنه ـ لابن عباس: ـ أنت على ملة علي؟ فقال له ابن عباس ولا على ملة عثمان، أنا على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم [1]. فظاهر أن قول معاوية هنا لابن عباس جاء على سبيل المداعبة، فكذلك قوله لسعد هو من هذا الباب، وأما ما إدّعى الشيعة من الأمر السب فحاشا معاوية رضي الله عنه أن يصدر منه مثل ذلك [2]، والمانع من هذا عدة أمور:
1 ـ أن معاوية رضي الله عنه ما كان يسب علياً ـ رضي الله عنه ـ كما تقدم حتى يأمر غيره بسبه، بل كان معظماً له، معترفاً له بالفضل والسبق إلى الإسلام، كما دلت على ذلك أقواله الثابته عنه، فقد قال ابن كثير: وقد ورد من غير وجه: أن أبا مسلم الخولاني وجماعة معه دخلوا على معاوية فقالوا له: هل تنازع علياً أم أنت مثله؟ فقال: والله إني لأعلم أنه خير مني وأفضل، وأحق بالأمر مني [3]، وعن جرير بن عبد الحميد عن المغيرة قال: لما جاء خبر قتل علي إلى معاوية جعل يبكي، فقالت له إمرأته: أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال:": ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم [4]، فهل يسوغ في عقل ودين أن يسب معاوية علياً بل ويحمل الناس على سبه وهو يعتقد فيه هذا [5].
2 ـ أنه لا يعرف بنقل صحيح عن معاوية ـ رضي الله عنه ـ تعرض لعلي رضي الله عنه ـ بسب أو شتم أثناء حربه له في حياته، فهل من المعقول أن يسبه بعد إنتهاء حربه معه ووفاته، فهذا من أبعد ما يكون عند أهل العقول، وأبعد منه أن يحمل الناس على سبه وشتمه.
3 ـ أن معاوية رضي الله عنه كان رجلاً ذكياً مشهوراً بالعقل والدهاء، فلو أراد حمل الناس على سب علي ـ حاشاه ذلك ـ أفكان يطلب ذلك من مثل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وهو من هو في الشجاعة والفضل والورع، مع عدم دخوله في الفتنة أصلاً، فهذا لا يفعله أقل الناس عقلاً وتدبيراً، فكيف بمعاوية.
4 ـ أن معاوية ـ رضي الله عنه ـ انفرد بالخلافة بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما له واجتمعت عليه الكلمة ودانت له الأمصار بالملك، فإي نفع له في سب علي؟ بل الحكمة وحسن السياسة تقتضي عدم ذلك، لما فيه من تهدئة النفوس، وتسكين الأمور، ومثل هذا لا يخفى على معاوية.

[1] الإبانة (1/ 355) شرح أصول اعتقاداللألكائي (1/ 94).
[2] الانتصار للصحب والآل صـ375.
[3] البداية والنهاية (8/ 133).
[4] المصد نفسه (8/ 133).
[5] الانتصار للصحب والآل صـ376.
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 207
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست