اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 179
في الناس من هو خير منه وأفضل, وكان ذلك بعد أن تولى أمر المسلمين, واجتمع عليه الناس, فأصبح الأمير الذي لا ينازع, خطب مرة فقال: أيها الناس ما أنا بخيركم, وإن منكم لمن هو خير مني, عبد الله بن عمر, وعبد الله بن عمرو, وغيرهما من الأفاضل, ولكن عسى أن أكون أنفعكم ولاية, وأنكاكم في عدوكم, وأدرككم حلبا [1] , وروى الإمام أحمد بسنده إلى علي بن أبي حملة عن أبيه قال: رأيت معاوية على المنبر بدمشق يخطب الناس وعليه قميص مرقوع [2] , وعن يونس بن ميسر الحميري قال: رأيت معاوية في سوق دمشق, وهو مردف وراءه وصيفاً, وعليه قميص الجيب, يسير في أسواق دمشق [3] , وبلغ من ورعه أنه لما رأى إحدى جواريه, ونظر إليها بشهوة, ولكنه شعر بعجزه عن وطئها, قال لمن أحضرها إليه: اذهب بها إلى يزيد بن معاوية, ثم قال: لا ادع لي ربيعة بن عمرو الجرشي ـ وكان ربيعة فقيها ـ فلما دخل عليه قال: إن هذه أتيت بها مجردة, وقد رأيت منها ذلك وذلك, وإني أردت أن أبعث بها إلى يزيد. فقال ربيعة: لا تفعل يا أمير المؤمنين: فإنها لا تصلح له, فقال معاوية: نعم ما رأيت, ثم وهب معاوية الجارية لعبد الله بن مسعدة الفزاري, مولى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أسود, فقال له: بيض بها ولدك (4)
ويعلق ابن كثير على ذلك بقوله: وهذا من فقه معاوية وتحريه, حيث كان نظر إليها بشهوة, ولكن استعفف نفسه عنها, فتحرج أن يهبها لولده يزيد لقوله تعالى: ((وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ)) (النساء، الآية: 22) وقد وافقه على ذلك ربيعة بن عمرو الجرشي الدمشقي (5)
6 - بكاؤه من خشية الله:
روي في مجلس معاوية رضي الله عنه حديث أبي هريرة عن رسول الله, في أن أول من تسعر بهم النار يوم القيامة من أمة محمد. القاري المرائي, والمنفق المرائي, والمجاهد المرائي, وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حيث قال: أن الله تبارك وتعالي إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمة جاثية, فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ورجل يقتل في سبيل الله, ورجل كثير المال, فيقول الله للقاريء: ألم أعلمك ما أنزلت على رسلي؟ قال بلى يا رب, قال: فماذا علمت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار, فيقول الله له: كذبت, وتقول له الملائكة: كذبت. ويقول الله: بل أردت أن يقال إن فلاناً قاريء فقد قيل ذلك ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد؟ قال: [1] البداية والنهاية (11/ 436). [2] سير أعلام النبلاء (3/ 152) الزهد ص172. [3] سير أعلام النبلاء (3/ 152) من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاويه ص 129.
(4) البداية والنهاية (11/ 396) ..
(5) البداية والنهاية المصدر نفسه.
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 179