responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 174
بقدومه, فدنا من أسفل القصر فحط القلع, وأشرف البطريق على المركب فنظر إلى ما فيه من حسن ذلك البساط, ونظم تلك الفرش, كأنه رياض يزهر, فلم يستطيع اللبث في موضعه, حتى نزل قبل أن يخرج الصوري من مركبه إليه, فطلع إلى المركب فلما استقر قدمه على المركب ودنا من المجلس, وضرب الصوري بعقبه على من تحت البساط وكانت علامة بينه وبين الرجال الذين في بطن المركب, فما استقر دقه في المركب بقدمه, حتى اختطف المركب, بالمقاذيف, وإذا هو وسط الخليج يطلب البحر لا يلوي على شيء وارتفع الصوت ولم يدر ما الخبر لمعالجة الأمر, فلم يكن الليل حتى خرج عن الخليج وتوسط
البحر, وقد أوثق البطريق كتافاً, وطابت له الريح, وأسعده الجد, وحمله المقدار في ذلك اللج, فتعلق في اليوم السابع بساحل الشام, ورأى البر وحمل الرجل فكان في اليوم الثالث عشر مأسوراً بين يدي معاوية فسر بذلك معاوية [1]. وقال: عليّ بالرجل القرشي, فأتى به وقد حضره خواص الناس, فأخذوا مجالسهم, وغص المجلس بأهله, فقال معاوية للقرشي: قم فاقتص من هذا البطريق الذي لطم وجهك على بساط معظمَّ الروم, فإنا لم نضيعك ولا أبحنا دمك ولا عرضك فقام القرشي فدنا من البطريق, فقال معاوية: انظر لا تتعدى ما جرى عليك, واقتص منه على حسب ما ضع بك ولا تعتد, وارع ما أوجب الله عليك من المماثلة, فلطمه القرشي لطمات ووكزه في حلقه, ثم أكب القرشي على يدي معاوية وأطرافه يقبلها, وقال: ما ضاع من سوَّدك, ولا خاب فيك من رأسك, أنت ملك لا يستضام [2] تمنع حماك, وتصون رعيتك وأرق في وصفه ودعائه, وأحسن معاوية إلى البطريق, وخلع عليه وبرّه, وحمل معه البساط, وأضاف إلى ذلك أشياء كثيرة وهدايا إلى الملك, وقال له: ارجع إلى ملكك, وقل له: تركت ملك المسلمين (3)
يقيم الحدود على بساطك, ويقتص لرعيته في دار مملكتك وسلطانك وعزك, وقال للصوري: سر معه حتى تأني الخليج فتطرحه فيه ومن أسر معه, ممن كان بادر فصعد إلى المركب من غلمان البطريق, وخاصته فحملوا إلى صور مكرمين, وحمل الجميع في المركب, وطابت لهم الريح, فكانوا في اليوم الحادي عشر متعلقين بأرض الروم فقربوا من الخليج, فإذا قد أحكم فمه بالسلاسل والمنعة من الموكولين به, فطرح البطريق, وحمل من وقته إلى الملك ومعه الهدايا والأمتعة وتباشرت الروم بقدومه, وتلقوه مهنئين له بخلاصه من الأسر, فكافأ الملك معاوية على ما كان من فعله في أمر البطريق والهدايا, فلم يكن يستضام أسير من المسلمين في أيامه, وقال الملك: هذا أدهى العرب وأمكر الملوك, ولهذا قدمته

[1] الشهب الامعة في السياية النافعة ص 490.
[2] الضيم الإذلال والقهر - أي ملك لا يقهر ولا يزل.
(3) أصل الكلمه في الأثل العرب ..
اسم الکتاب : الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 174
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست