responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 497
الكافرين ويتولنهم من دون المؤمين؛ حيث كان هؤلاء الكافرون على جانب عظيم من القوة المادية، والمسلمون في المقابل على العكس تماماً من الضعف؛ فقد ساعد الواقع الأليم الذي كان يعيشه المسلمون على زعزعة هذه العقيدة [1].
فالواقع المليء بكافة صور الانحطاط من فقر وضعف وجهل ومرض وخرافة في مقابل الواقع الأوروبي مثلاً كان عاملاً من عوامل إضعاف عقيدة الولاء والبراء، ومع ذلك لايجوز لنا أبداً أن نبرر لهؤلاء المنبهرين انبهارهم بواقع الكافرين؛ إذ لو كان إيمانهم صادقاً، وعقيدتهم راسخة لم تجرفهم أهواء الكافرين ولم تتقاذفهم أمواج المادة والقوة، كما كان حال الجيل الأول رضي الله عنهم الذي استعلى بدينه وعقيدته على قوة الكافرين وجبروتهم حتى في وقت الهزيمة، ولحظة الفشل كما قال الله تبارك وتعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} (سورة آل عمران: آية 139).
ومع هذا فإن هذه العقيدة على مستوى شعوب الامة كانت متوهجة في النفوس، مستقرة في العقول؛ فقد كان المسلم في الشمال الأفريقي يحب أخاه المسلم في الشام ويبغض جاره النصراني وهكذا في كل الأقطار والبلدان وكان المسلم يحس بإخوانه في كل مكان بما يقع لإخوانه في الدين من اعتداءات ونكبات، ويشارك بعضهم مع إخوانهم لجهاد المعتدين، والنفير في سبيل الله. فكانوا الى حد كبير كما وصفهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى [2].
وقد بينا مناصرة مسلمي الحجاز وليبيا لأخوانهم في مصر عندما احتلها الفرنسيون في عام 1213هـ/1798م وكيف تفاعل المسلمون مع دعوة السلطان عبد الحميد الثاني الى فكرة الجامعة الاسلامية ودعوته لاتحاد المسلمين في العالم في مقابل التسلط الأوروبي والروسي وغيرهما، وقد أثمرت هذه الدعوة الى حد كبير، وتجاوب معها المسلمون في كل مكان على اختلاف لغاتهم وألوانهم وبلادهم؛ وليس أدل على ذلك من تبرع المسلمين في أقطار العالم لإنشاء خط سكة حديد بين بغداد والحجاز بثلث نفقات الخط.
إن الشعور بالتربط الديني بين المسلمين كان قوياً على الرغم من كثرة الانحرافات التي توحي بالفرقة والاختلاف كالمذاهب الكلامية والفقهية، والطرق الصوفية، وكانت عقيدة الولاء والبراء سليمة الى حد كبير في نفوس العامة؛ لذلك كبر على أعداء الاسلام من اليهود والنصارى

[1] انظر: الانحرافات العقدية والعلمية لعلي الزهراني (1/ 142).
[2] البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (10/ 438) رقم 6011.
اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 497
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست