اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 325
وحققت بذلك المعاهدة وقف الحرب الروسية العثمانية، وحققت بذلك أهداف الدول الأوروبية وأهمها إيقاف الحرب في زمن كانت أوروبا تعيش فيه انطلاق الثورة النابليونية تخشى تطورها على أنظمة الحكم فيها، وهكذا ضاعت آمال الدولة العثمانية وضاعت معها تلك المناطق التي كانت تحت نفوذها حتى أصبح البحر الأسود تحت رحمة العلم الروسي وأصبحت موائنه العثمانية مثل أزوف وأوديسا وسيفاستبول قواعد للأسطول الروسي وأصبحت مصبات الأنهار العظيمة مثل الدانوب وبج والدنيستر وبروت وحركتها الملاحية تحت تصرف روسيا.
وهكذا قلصت هذه المعاهدة حدود الدولة العثمانية في أوروبا وأعطت في نفس الوقت الصفة التنازلية الشرعية من مكتسباتها لاعدائها.
وهكذا خطت الدول الأوروبية خطوات ساهمت في القضاء على الكيان العثماني في أوروبا وكأنها بذلك تحقق المشروعات الكثيرة [1] التي نادى بها الساسة والمفكرون الأوروبيون ضد الدولة العثمانية منذ قرون طويلة، وكانت القوى الصليبية والقوى الاستعمارية والقوى اليهودية تعمل في مثابرة وتنظيم نحو الهدف المنشود وكأنها: (شركة عالمية يتبادل فيها المؤسسون الأوروبيون النظرات الشذراء، وقد يختلفون معاً ولكنهم متفقون على آل عثمان، وكل منهم متحفز للنهش والقضاء والابتلاع) [2].
وإن كانت معاهدة ياش قد أنهت المواجهات الروسية العثمانية لفترة مؤقتة إلا أنها في حقيقة الأمر بداية لنهاية أكثر فاجعة من الأولى [3].
رابعاً: الإصلاح الداخلي والمعارضة:
وبعد هدوء القتال انصرف سليم الثالث للإصلاحات الداخلية فبدأ بتنظيم الجيش للتخلص من الانكشارية الذين أصبحوا سبب كل فتنة واتجه نحو تقليد أوروبا التي تجاوزتهم كثيراً فأهتم بصناعة السفن والأسلحة خاصة المدافع على الطريقة الفرنسية، وشهد عهده بدايات التعليم العسكري الغربي.
ونظراً لإقدام السلطان سليم على الاصلاحات وإنشاء فرقة النظام الجديد، فقد ثار الجنود الانكشارية وساندهم الأعيان ضد النظام الجديد، ورغم ان السلطان أصدر أمراً بإلغاء النظام [1] المصدر السابق نفسه، ص86. [2] المسألة الشرقية للشاذلي، ص122. [3] انظر: موقف اوروبا من الدولة العثمانية، ص86.
اسم الکتاب : الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 325