كان نصف الجيش الفرنسي متمركزا في أجنة سكان المدينة (أو في ديارهم المعدة للاستجمام). ولن نقر إلا حقيقة، إذا ذكرنا هنا بأن مالكي تلك المساكن لم يحصلوا أبدا على أي تعويض، ولم يكن لهم حق التمتع بملكياتهم وأن الأبواب كانت تكسر لتحرق، وسياجات الحديد تقلع. وكان الجنود يحفرون الأرضيات بحثا عن الكنوز الموهومة. وأخيرا، فإن الأجنة والمساكن قد خربت إلى درجة أنها لم تعد صالحة لشيء. وكل ما أرويه هنا بعيد عن المبالغة والمغالاة، ولكن، لكي تكون للمرء فكرة واضحة يجب أن يرى بنفسه ما وقع من تخريب. كانت هذه أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت الملاك إلى التنازل عن ممتلكاتهم بالشروط التي تقدم لهم وبأسعار بخسة. وهكذا لم يعد في استطاعة أي واحد أن يفخر بكونه يمتلك عقارات في الجزائر. وبهذه الطريقة كانت الأملاك الوطنية تكتسب في فرنسا أثناء الثورة، ولكي تنسى هذه الاغتصابات، يجب أن ننتظر قرونا، أو ينبغي أن تدفع تعويضات تقدر بالملايين لكي يرتاح ضمير المالكين. أنه عهد الثورة والفوضى، ذلك الذي يخرب فيه كل ما يمكن تخريبه.
إن بعض الأوروبيين من المالكين الجدد قد اختلققوا النزاع ليتحللوا من العقود التي أمضوها، وذلك بعد أن اقتلعوا الأشجار، وخربوا الأجنة وجمعوا الأموال من كل شيء، ثم أصبحوا عاجزين عن دفع المبالغ السنوية المتفق عليها، وكانت المحكمة مكتظة بالمترافعين لأن معظم تلك العقود كان قد تم بالتراضي عن طريق الدلالين. ومن ثمة فإن بعضهم قد خرب كل شيء ثم أظهر سوء نيته، بينما كان الآخرون يبيعون من جديد وكانت تلك العمليات المتتالية تخلق كثيرا من النزعات، لأن البيع الأول لم يكن شرعيا ولا خاليا من الإشكال