واستظهروا على من فيه، وقد كان اجتمع فيه وانحشد عدد كثير من الناس، وضاق بهم المقام، وعوّلوا على التماس الأمان لنفوسهم، والخروج عن الحصن وتسليمه إلى الروم. وتسرّع جماعة من أهل العسكر فأحرقوا وأخربوا تبّل وما يليها من بلد أعزاز، وأتوا على جميعها، وقطعوا أشجارها، ورأى سيمون الأبروطوسبتيار ونيقيطا القطبان الإكتفاء بما جرى دون بلوغ الغاية والعودة إلى بلدهما. واتّصل بهما أنّ بالقرب منهما واد قد انحشد إليه واجتمع فيه آلاف من النساء والصبيان وغيرهم من أهل الضياع والقرى، وإن قصدهم العسكر أخذهم، فعدلا عنهم ولم يضرّا بشيء آخر من بلدان ابن صالح إبقاء عليه لما تقدّم من مكاتباته التي يلتمس فيها استعطاف الملك والتوسّل إليه في اصطناعه، وألاّ يبعده من موالاته والعبودية له. وشرع نيقيطا قطبان أنطاكية حينئذ في إصلاح حاله مع الملك، وتوسّط هو والرسول المقيم بحلب حاله، وقرّرا مسالمة وهدنة مؤبّدة ومالا يحمله ابن صالح إلى الملك في كلّ سنة خمسمائة ألف درهم صرف ستّين درهما بمثقال ذهب، حسب صرف الوقت بحلب، ويحمل المال في نجمين [1] من السنة. وكتب بذلك وثيقة على نسختين، وكتب ابن صالح خطّه، وأشهد على نفسه في إحداها لتكون في ديوان الملك، ووقّع الملك بخطّه في النّسخة الأخرى، وأنفذ معها صليبا ذهبا مرصّعا إلى ابن صالح أمانا بالوفاء بالشرط [2].
[سنة 422 هـ.]
[تبادل المحبوسين بين ابن مرداس والملك رومانوس]
وأطلق من أنطاكية مقلّد بن كامل بن مرداش [3] وجميع من معه، وأطلق ابن صالح أيضا القاضي رسول الملك المقيم كان بحلب وسائر أصحابه.
واستقامت الحال بين الجهتين، وذلك في شهر أيّار سنة 1342 وهو جمادى الأولى سنة 422، وقبل الملك هديّة ابن صالح التي كان أنفذها إليه متقدّما، [1] في طبعة المشرق 260 «تخمين»، والتصحيح من (زبدة الحلب 1/ 247). [2] قال ابن العديم: «وأطلق الملك مقلّد بن كامل بن مرداس رسول نصر وأعطاه صليبا من ذهب مرصّعا أمانا لنصر، ووفاء بالشرط». (زبدة الحلب 1/ 247). [3] كذا.