اسم الکتاب : تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان - شخصيته وعصره المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 328
والأزد وكندة وقضاعة وغيرهم، فلم يكونوا في تلك الصحبة بمكان إلا قليل منهم، وكانت لهم في الفتوحات قدم، فكانوا يرون ذلك لأنفسهم مع ما يدين به فضلاؤهم من تفضيل أهل السابقة ومعرفة حقهم، وما كانوا فيه من الذهول والدهش لأمر النبوة وتردد الوحي وتنزل الملائكة، فلما انحصر ذلك العباب، وتنوسى الحال بعض الشيء، وذل العدو واستفحل الملك، كانت عروق الجاهلية تنبض، ووجدوا الرياسة عليهم من المهاجرين والأنصار وقريش وسواهم، فأنفت نفوسهم منه، ووافق ذلك أيام عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولاته بالأمصار، والمؤاخذة لهم باللحظات والخطوات، والاستبطاء عليهم الطاعات، والتجني بسؤال الاستبداد منهم والعزل، ويفيضون في النكير على عثمان، وفشت المقالة في ذلك في أتباعهم، وتناولوا بالظلم في جهاتهم، وانتهت الأخبار بذلك إلى الصحابة بالمدينة، فارتابوا وأفاضوا في عزل عثمان وحمله على عزل أمرائه، وبعث إلى الأمصار من يأتيه بالخبر .. فرجعوا إليه فقالوا: ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعيان المسلمين ولا عوامهم [1].
سادسًا: توقف الفتوحات:
حين توقفت الفتوح في أواخر عهد عثمان أمام حواجز طبيعية أو بشرية لم تتجاوزها سواء في جهات فارس وشمالي بلاد الشام أم في جهة أفريقية، توقفت الغنائم على أثرها، فتساءل الأعراب: أين ذهبت الغنائم القديمة؟ أين ذهبت الأراضي المفتوحة التي يعدونها حقا من حقوقهم؟ [2] وانتشرت الشائعات الباطلة التي اتهمت عثمان - رضي الله عنه - بأنه تصرف في الأراضي الموقوفة على المسلمين وفق هواه، وأنه أقطع منها لمن شاء من الناس، وقد كان لها أثر ووقع على الأعراب؛ خاصة أن معظمهم بقى بدون عمل يقضون شطرا من وقتهم في الطعام والنوم، والشطر الآخر بالخوض في سياسة الدولة والحديث عن تصرفات عثمان التي كانت تهوِّلها السبئية. وقد أدرك أحد عمال عثمان هذا الأمر -وهو عبد الله بن عامر- فأشار على الخليفة حيث طلب من عماله -وهم وزراؤه ونصحاؤه- أن يجتهدوا في آرائهم ويشيروا عليه، فأشار عليه أن يأمر الناس بالجهاد ويجمهرهم في المغازي حتى لا يتعدى همُّ أحدهم قمل فروة رأسه ودبرة دابته [3].
وفي [1] تاريخ ابن خلدون (2/ 477). [2] تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة (1/ 344). [3] تاريخ الطبري (2/ 340).
اسم الکتاب : تيسير الكريم المنان في سيرة عثمان بن عفان - شخصيته وعصره المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 328