اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 75
[1] - حصار حلب وإخضاعها صلحاً للدولة السلجوقية: تقاعس محمود بن نصر أمير حلب، ويبدو أن لذلك علاقة بالمدى الذي وصلت إليه معارضة الشيعة في حلب، وربما أدرك أنه سوف يفقد استقلاله إذا تجاوب مع مطالب السلطان السلجوقي [1]، فأرسل إليه القاضي أبا جعفر محمد بن البخاري يدعوه للقدوم إليه لتقديم الولاء والطاعة ودوس بساطه أسوة بسائر أمراء الجزيرة، وفتح أبواب حلب لاستقباله [2]، ولكن محموداً رفض الدعوة بتحريض من ابن خان، وآثر الاعتصام بحلب والدفاع عنها، واستنفر الرجال من جميع أنحاء بلاد الشام، وتأهب لمقاومة الحصار الذي سوف يفرضه الجيش السلجوقي على المدينة، ويبدو أنه اطمأن إلى أن ولاءه للعباسيين، وللسلطان السلجوقي، وارتداء خلع الخليفة التي أرسلت إليه في عام 462هـ، كافيان لحمايته من هجوم السلطان، لكنه فوجئ بوصوله إلى حلب في 463هـ وضربه الحصار عليها، واتخذ السلطان من الفنيدق [3]، مركزاً لقيادته, وكانت الخيام والعساكر من حلب إلى نقرة بني أسد، إلى عزاز إلى الأثارب، متقاربة بعضها من بعض، ولم يتعرض أحد من العسكر لمال أحد، ولاسُبيت حرمة، ولا قاتل، ولم يأخذ عليقة تبن من فلاح إلا بثمنه واستمر الحصار مدة شهرين ويومين ولم يجر قتال غير يوم واحد، وكان يقول لأتباعه: أخشى أن أفتح هذا الثغر بالسيف فيصير إلى الروم ([4])،
ومهما يكن من أمر، فقد فشل السلطان في اقتحام المدينة، ولعل مرد ذلك يعود إلى شدة المقاومة ومتانة الأسوار، وإشراك محمود بن نصر جميع القبائل العربية في الدفاع عنها، بالإضافة إلى طبيعة تكوين الجيش السلجوقي الذي يعتمد على الفرسان الخفاف، والمعروف أن عمليات الحصار تتطلب جنوداً من المشاة وهو ما افتقده الجيش السلجوقي, ولم تتوقف المفاوضات خلال أيام الحصار للوصول إلى حل لكن دون جدوى بسبب التصلب في المواقف، واضطر السلطان أخيراً إلى فك الحصار عن المدينة، إلا أنه خشي على سمعته بعد إخفاقه في اقتحام الرها وأخذ حلب مما سينعكس سلباً على دولته الناشئة وبخاصة بعد ورود أنباء عن ظهور الإمبراطور البيزنطي رومانوس الرابع ديوجينوس في أرمينية وهو عازم على مهاجمة خراسان [5]، لذلك لجأ إلى السياسة لتفريق الكلابيين وإضعاف موقف محمود بن نصر، فاستدعى جميع أمراء بني كلاب ليختار أميراً منهم يعيّنه على حلب ويفوَّضه في السعي للاستيلاء على المدينة وانتزاعها من يد محمود بن نصر، على أن يتفرغ هو لمواجهة الخطر البيزنطي [6]، فلبَّى الأمراء دعوة السلطان، وامتثلوا لأمره، ويدل هذا على أن التنازع كان متفشياً بين العشائر [1] تاريخ السلاجقة في بلاد الشام، ص 114. [2] المصدر نفسه، ص 115. [3] الفنيدق: من أعمال حلب، ويعرف الآن بتل السلطان. [4] زبدة الحلب في تاريخ حلب (1/ 262، 263). [5] تاريخ السلاجقة في بلاد الشام، ص 115 .. [6] تاريخ السلاجقة في بلاد الشام، ص 115.
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 75