اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 587
طغتكين أمير دمشق وخير خان أمير حمص يطلب منهما مساعدته في إنجاز مهمته، فلبى هذان الأميران دعوته وبعثا عساكرهما للانضمام إلى جيش البرسقي الذي كان قد تحرك آنذاك صوب بالس القريبة من حلب, وأرسل من هناك إلى مسئوليها وشرط عليهم تسليم قلعة حلب لنوابه لكي يحتمى بها في حالة انهزامه أمام الصليبين فأجابوه إلى طلبه، وما أن استتب الأمر لهؤلاء النواب وأطمأن الرجال إلى وجود حماية أمنية في حال تراجعه، حتى بدأ زحفه صوب مواقع القوات الصليبية التي تطوق حلب [1].
وصلت قوات طلائع البرسقي حلب يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي الحجة من سنة 518هـ وما أن اقترب البرسقي بقواته المنظمة حتى أسرع الصليبيون في التحول إلى منطقة أفضل من الناحية الدفاعية، فعسكروا في جبل جوسن على الطريق إلى أنطاكية، وهكذا غدوا في حالة الدفاع بعد أن كانوا مهاجمين، وخرج الحلبيون إلى خيامهم فنالوا منها ما أرادوا، بنيما اتجه قسم آخر منهم لاستقبال البرسقي والاحتفاء به لدى وصوله، وقد أدرك الرجل ما يرمي إليه الصليبيون بانسحابهم واتخاذهم موقفاً دفاعياً، فلم يتسرع بمهاجمتهم قبل أن يعيد تنظيم قواته من جديد، خوفاً من نزول هزيمة فادحة بعساكره قد تعرض حلب للسقوط، وأرسل طلائعه الكشفية لرد القوات المتقدمة إلى معسكراتها في حلب, وقال موضحاً خطته هذه: ما يؤمننا أن يرجعوا علينا ويهلك المسلمون؟ ولكن قد كفى الله شرهم، فلندخل إلى البلد ونقويه وننظر إلى مصالحه، ونجمع لهم إن شاء الله، ثم نخرج بعد ذلك إليهم. ومن ثم دخل البرسقي حلب، وبدأ بحل مشاكلها ورفع مستواها الاقتصادي والاجتماعي، فنشر العدل, وأصدر مرسوماً برفع المكوس والمظالم المالية وإلغاء صادرات، وعمَّت عدالته الحلبيين جميعاً بعدما منوا به من الظلم والمصادرات, وتحكم المتسلطين طيلة فترة الحصار الصليبي [2]، ولم يكتف البرسقي بذلك، بل قام بنشاط واسع بجلب المؤن والغلال إلى المدينة كي يخفف من حدة الغلاء، ويقضي على الضائقة التي يعانيها الحلبيون، وما لبث النشاط الزراعي في منطقة حلب أن عاد إلى حالته الطبيعية، حيث استأنف المزارعون العمل في الأراضي التي شردوا منها، كما عاد النشاط التجاري إلى سابق عهده اعتماداً على ما تمتعت به المنطقة من أمن واستقرار [3].
وهكذا استطاع البرسقي أن يحطم الطوق الذي أحاط به الصليبيون حلب، وأن يخلص هذا الموقع الهام من أخطر محنة جابهته طيلة الحروب الصليبية ويوحده مع الموصل لأول مرة منذ بدء هذه الحروب، الأمر الذي أتاح لهذا القائد ولعماد الدين زنكي من بعده أن يفيد من هذه [1] نهر الذهب للغزي (3/ 86 - 87) , دراسات تاريخية، ص 18. [2] زبدة الحلب (2/ 229 - 230) , دراسات تاريخية، ص 19. [3] دراسات تاريخية، ص 19.
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 587