اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 584
القوى المقاتلة في ديار بكر لتحقيق انتصارات سريعة في شمال الشام، ولكن ظهور ابن أخيه بلك بن بهرام وتوليه قيادة حركة الجهاد ضد الغزاة؛ قطع الطريق على هؤلاء، وأنقذ حلب من خطر محقق، غير أن مقتل بلك بعد سنتين من توليه الحكم وانتقال إمارته إلى ابن عمه حسام الدين تمرتاش الذي تميز بالضعف والانهزامية، فتح الطريق ثانية أمام الصليبيين لكي يشددوا النكير على حلب ويحققوا حلمهم بالسيطرة عليها، ويصف المؤرخ ابن العديم كيف تدهورت الأوضاع في حلب إثر تولي تمرتاش الحكم، ويقول: فأما تمرتاش فإنه لما ملك حلب، ألهاه الصبا واللعب عن التشمير والجد والنظر في أمور الملك، ففسدت الأحوال وضعف أمر المسلمين بذلك [1]. وقد بدأ تمرتاش ولايته بإطلاق سراح بلدوين الثاني ملك بيت المقدس الذي كان بلك قد أسره في إحدى معاركه ضد الغزاة، وذلك لقاء مبلغ تافه من المال، وقد أطلقه تمرتاش من معتقله وأحضره إلى مجلسه، فأكلا وتشاربا وخلع عليه تمرتاش قباءً ملكياً، وأعيد إليه الحصان الذي كان قد أخذه منه بلك يوم أسره [2].
ولم يلبث تمرتاش - بعدها - أن انسحب إلى ولايته في ديار بكر لكي يتبع سياسة انعزالية فلا يرمي بسهم ضد الغزاة, وبهذا أتيحت لهؤلاء الفرصة - كرة أخرى - لتضييق الخناق على حلب والسعي لتحقيق هدفهم الذي عجزوا عنه في السنين السابقة، وهكذا شهدت حلب في عام 518هـ حصاراً من أخطر ما تعرضت له في تاريخ الحروب الصليبية الطويل [3].
ب- خيانة دبيس بن صدقة المزيدي أمير الحلة: بدأت المحاولة له بخيانة تقدم بها أحد الأمراء العرب: دبيس بن صدقة المزيدي أمير الحلة الواقعة جنوبي بغداد، والهارب من وجه الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية بسبب استفزاره المستمر لهما وتآمره عليهما، قال للصليبيين بأن له أنصاراً في حلب، وأنهم متى رأوه على رؤوس المهاجمين سلموا إليه البلد, ومما قاله للصليبيين: إن أهلها شيعة وهم يميلون إليّ لأجل المذهب، فمتى رأوني سلموا البلد إليَّ، وبذل لهم على مساعدته بذولاً كثيرة [4]. ووعد بلدوين أمير أنطاكية وجوسلين أمير الرها بأنه سيقدم لهما الكثير لقاء مساعدتهما له، وقال لهما: إنني أكون في حلب نائباً عنكم مطيعاً لكم [5]. وتمكن -أخيراً - من التوصل مع الصليبيين إلى اتفاق تكون حلب بموجبه له، أما الأموال فتكون لهم، فضلاً عن بعض المواقع القريبة من حلب [6]، وتقدم بلدوين على رأس قواته ونزل على نهر قويق قريباً من حلب، وأفسد المناطق الزراعية المحيطة به، ثم رحل إلى حلب فنزل [1] زبدة الحلب (2/ 220). [2] الاعتبار، ص 103، 120 - 121. [3] دراسات تاريخية, د. عماد الدين خليل، ص 14. [4] الكامل في التاريخ (8/ 642). [5] ذيل تاريخ دمشق، ص 212. [6] الاعتبار، ص 103، زبدة الحلب (2/ 222 - 223).
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 584