اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 438
الدمار، وحث الحاضرين على الانتقام من المسلمين [1]، والحقيقة إن ما أثاره البابا من تعرض نصارى المشرق إلى اضطهاد هو ادعاء باطل، لا يتفق وروح الإسلام وطبيعة الدعوة إليه، وما أحاط النصارى به، من رعاية وعناية [2].
وكان من الشعارات التي رفعت في هذه الحرب أن الحجاج من النصارى كانوا يتعرضون للاضطهاد والعدوان وهم في طريقهم إلى بيت المقدس - قبيل الحروب الصليبية- وهذا ادعاء باطل كذلك [3]، يقول أحد كبار المؤرخين الأوربيين: إن حالات الاضطهاد الفردية التي تعرض لها المسيحيون في البلدان الإسلامية في الشرق الأدنى في القرن العاشر الميلادي بالذات لا يصح أن تتخذ بأي حال سبباً حقيقياً للحركة الصليبية، لأن المسيحيين بوجه عام تمتعوا بقسط وافر من الحرية الدينية وغير الدينية في ظل الحكم الإسلامي، فلم يسمح لهم فقط بالاحتفاظ بكنائسهم القديمة، وإنما سمح لهم أيضاً بتشييد كنائس وأديرة جديدة جمعوا في مكتباتها كتبًا دينية متنوعة في اللاهوت [4]. كما أن الادعاء بتخريب الكنائس وهدم الأديرة أو مصادرتها لم يقم عليه دليل, وإنما هي شائعات ربما أدى إليه تصرف بعينه في قرية بعينها، لا يمكن بحال من الأحوال أن يعتبر هو الأصل في معاملة المسلمين للمسيحيين وكنائسهم في البلاد الإسلامية [5]. ويقرر أكثر من مؤرخ منصف أن النصارى الذين خضعوا لحكم السلاجقة، كانوا أسعد حالاً من إخوانهم الذين عاشوا في قلب الإمبراطورية البيزنطية ذاتها، وما وجد أي دليل على اضطهاد السلاجقة للنصارى في المشرق [6]. إلا أن صيحات البابا كانت محمومة حاقدة لا تعقل ولا تفكر في العواقب الوخيمة [7]. وقد وعد البابا الجموع المشاركين بالحرب، برفع العقوبات عن المذنبين منهم، وبإعفائهم من الضرائب، كما وعدهم برعاية الكنسية لأسرهم مدة غيابهم ([8])،
ولعل ما يدخل ضمن الدافع الديني أيضاً أنه ذاعت في الغرب أخبار الكرامات والمعجزات التي بثتها الكنيسة، وساد الاعتقاد بأن نزول المسيح ثانية إلى الأرض أصبح وشيكاً, ولا بد من المضي في الاستغفار وعمل الخير، قبل هبوطه، كما ساد تصور مفاده أنه ينبغي استرداد الأرض قبل عودة المسيح [9]. وقد أدرك البابا أن فورة الحماس الديني لن تستمر طويلاً، فدعا إلى القسم وبأن تؤدي الصلاة في كنيسة القيامة، وأشاع أن اللعنة والنقمة، ستحل على كل [1] قصة الحضارة (4/ 16). [2] الجهاد والتجديد، ص 81. [3] الغزو الصليبي والعالم الإسلامي د. علي عبد الحليم محمود، ص 108. [4] الحركة الصليبية, سعيد عاشور (1/ 30). [5] الغزو الصليبي والعالم الإسلامي، ص 109. [6] الحركة الصليبية (1/ 26 - 28). [7] التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية, د. أحمد شلبي (5/ 438). [8] أثر الشرق الإسلامي في الفكر الأوربي، ص 26 .. [9] الوسيط في تاريخ فلسطين في العصر الإسلامي الوسيط، ص 152.
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 438