responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 354
اختلفت مسالك العلماء في الظواهر التي وردت في الكتاب والسنة، وامتنع على أهل الحقَّ فحواها [1]، فرأى بعضهم تأويلها والتزم ذلك في القرآن، وما يصح من السُّنن، وذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها، وتفويض معانيها إلى الرب تعالى، والذي نرتضيه رأياً، وندين لله به عقداً اتباع سلف الأُمَّة، فالأولى الاتباع، وترك الابتداع [2] , والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة، وهو مستند معظم الشريعة، وقد درج صحبُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام المستقلون بأعباء الشريعة، وكانوا لا يألون جهداً في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها، فلو كان تأويل هذه الظواهر مسوغاً أو مختوماً؛ لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، فإذا تصرم عصرهم وعصر التابعين على الإضراب عن التأويل؛ كان ذلك قاطعاً بأنه الوجه المتبع، فحقَّ على ذي الدين أن يعتقد تنزُّه الباري عن صفات المُحدَثين، ولا يخوض في تأويل المشكلات، ويَكِل معناها إلى الرب، فليُجْر آية الاستواء والمجيء - أي {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] و {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} [الرحمن: 27]، و {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: 14]- وما صح من أخبار الرسول كخبر النزول وغيره على ما ذكرناه [3].
وحكى الفقيه أبو عبد الله الحسن بن العباس الرُّستمي قال: حكى لنا أبو الفتح الطبري الفقيه قال: دخلت على أبي المعالي في مرضه، فقال: اشهدوا عليَّ أني قد رجعت عن كل مقالة تخالف السُّنة، وإني أموت على ما يموت عليه عجائز نيسابور [4]، وقال في كتابه الغياثي - الذي ألفه بعد النظامية فهو من آخر كتبه- موصياً مغيث الدولة الذي هو نظام الملك قائلاً: والذي أذكره الآن لائقاً بمقصود هذا الكتاب أن الذي يحرص الإمام عليه جمع عامة الخلق على مذاهب السلف السابقين، قبل أن نبغت الأهواء وزاغت الآراء، وكانوا - رضي الله عنهم - ينهون عن التعرض للغوامض والتعمق في المشكلات، والإمعان في ملابسة المعضلات، والاعتناء بجميع الشبهات، وتكلف الأجوبة عما لم يقع من السؤالات، ويرون صرف العناية إلى الاستحثاث على البر والتقوى، وكف الأذى، والقيام بالطاعة حسب الاستطاعة، وما كانوا ينكفون - رضي الله عنهم - عما تعرض له المتأخرون عن وعي وحصر، وتبلد في القرائح، هيهات، قد كانوا أذكى الخلائق أذهاناً، وأرجحهم بياناً [5].

[1] في النظامية المطبوعة بتحقيق العلامة الكوثري، ص 23 بعد هذه العبارة ما نصه: وإجراؤها على موجب تبرزه أفهام أرباب اللسان.
[2] العقيدة النظامية، ص 74.
[3] سير أعلام النبلاء (18/ 474).
[4] سير أعلام النبلاء (18/ 474).
[5] غياث الأمم، ص (190،191).
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 354
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست