اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 345
نظام الملك على أبي إسحاق، وقال: كيف حالي مع رجل لا يُفرَّق بيني وبين نهروز الفَرَّاش في المخاطبة؟ قال لي: بارك الله فيك, وقال له لما صبَّ عليه كذلك [1]. وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: حكى أبي قال: حضرت مع قاضي القضاة أبي الحسن الماوردي عزاءً، فتكلم الشيخ أبو إسحاق واجلاً، فلما خرجنا قال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق، لو رآه الشافعي لتجمَّل به ([2])،
وقال السلفي: سألت شجاعاً الذُّهلي عن أبي إسحاق فقال: إمام أصحاب الشافعي والمقدم عليهم في وقته ببغداد، كان ثقة، ورعاً، صالحاً، عالماً بالخلاف علماً لا يشاركه فيه أحد [3]، قال محمد بن عبد الملك: ندب المقتدى بالله أبا إسحاق للرسلية إلى المعسكر، فتوجَّه في آخر سنة خمس وسبعين، فكان يخرج إليه أهل البلد بنسائهم وأولادهم يمسحون أردانه [4]، ويأخذون تراب نعليه يستشفون به، وخرج الخبَّازون ونثروا الخبز، وهو ينهاهم، ولا ينتهون، وخرج أصحاب الفاكهة والحلواء، ونثروا على الأساكفة، وعملوا مداسات صغاراً ونثروها، وهي تقع على رءوس الناس، والشيخ يعجب، وقال لنا: رأيتم النَّثار، وما وصل إليكم منه؟ فقالوا: يا سيدي وأنت أيَّ شيء كان حظك منه؟ قال: أنا غطَّيت نفسي بالمحَفَّة [5]. وهذا الأثر يدل على محبة الناس له ومكانته في قلوبهم, وقد حاول الشيخ أن ينهاهم عن هذه التصرفات, وهذه هي أخلاق العلماء, ولكنّ العوام تصدر منهم مثل هذه الأمور نتيجة العاطفة وإن كان فيها بعض التجاوزات. وقال شيرويه الدّيلمي في تاريخ همذان: أبو إسحاق إمام عصره قدم علينا رسولاً إلى السلطان ملكشاه، سمعت منه، وكان ثقة زاهداً في الدنيا على التحقيق، أوحد زمانه [6]، وقال الذهبي عنه: درّس بها - أي المدرسة النَّظامية - بعد تمنع، ولم يتناول جَامِكية [7]، أصلاً، وكان يقتصر على عمامة صغيرة وثوب قطني، ويقنع بالقوت، وكان الفقيه رافع الحمال رفيقه في الاشتغال، فيحمل شطر نهاره بالأُجرة، وينفق على نفسه وعلى أبي إسحاق، ثم إن رافعاً حجَّ وجاور، وصار فقيه الحرم في حدود الأربعين وأربعمائة [8].
3 - مؤلفاته وشيء من شعره: قال الشيخ أبو إسحاق: كنت أُعيد كل قياس ألف مرة، فإذا فرغت أخذت قياساً آخر على هذا، وكنت أُعيد كل درس ألف مرة، فإذا كان في المسألة [1] سير أعلام النبلاء (18/ 459). [2] المصدر نفسه (18/ 459) , طبقات السبكي (4/ 227). [3] سير أعلام النبلاء (18/ 460). [4] الأردان: جمع رُدن وهو أصل الكُم. وفي طبقات السبكي: أركانه. [5] طبقات السبكي (4/ 220) , سير أعلام النبلاء (18/ 460). [6] سير أعلام النبلاء (18/ 460). [7] الجامكية: رواتب خدم الدولة. [8] سير أعلام النبلاء (18/ 461).
اسم الکتاب : دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامى لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 345