اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 599
إليهم بسهولة وإمدادات المسلمين المحاصرين لا تصل إلا بصعوبة شديدة فلم تبق حيلة أو خدعة حربية يفكر بها القادة، إلا وقد استخدمها صلاح الدين الأيوبي [1] ومن هذه الحيل:
أ- اختراق الحصار البحري على عكا: كان صلاح الدين رحمه الله قد أعّد ببيروت بطسة وعمّرها، وأودعها أربع مئة غِراره من القمح ووضع فيها من الجبُن والبصل والغنم وغير ذلك من الميرة وكان الفرنج قد أداروا مراكبهم حول عكا، حراسة لها عن أن يدخلها مركب للمسلمين، وكان قد اشتدت حاجة من فيها إلى الطعام والميرة، فركب في بطسة ببيروت جماعة من المسلمين، وتزيُّوا بزي الفرنج، حتى حلقوا لحاهم، ووضعوا الخنازير على سطح البطسة بحيث تُرى من بُعد، وعَلَّقوا الصُّلبان، وجاؤوا قاصدي البلد من البُعد حتى خالطوا مراكب العدو، فخرجوا إليهم، واعترضوهم من الحَرَّاقات والشَّواني وقالوا لهم: نراكم قاصدين البلد، واعتقدوا أنهم منهم فقالوا: أَوَ لم تكونوا أخذتم البلد؟ فقالوا: لا لم نأخذ البلد بعد. فقالوا: نحن نردُّ القلوع إلى العسكر، ووراءنا بطسة أخرى في هوائها فأنذروهم حتى لا يدخلوا البلد وكان وراءهم بطسة فرنجية قد اتفقت معهم في البحر قاصدين العسكر، فنظروا فرأوها فقصدوها لينذروها، فاشتدَّت البطسة الإسلامية في السَّير، واستقامت لها الريح حتى دخلت ميناء البلد وسلمت ولله الحمد وكان فرجاً عظيماً، فإن الحاجة كانت قد أخذت من أهل البلد [2].
وفي العشر الأوسط من شعبان كتب بهاء الدين قَرَاقُوش وهو والي البلد، والمقَّدم على الأسطول، وهو الحاجب لؤلؤ يذكران للسلطان أنه لم يبق بالبلد ميرة إلا قدر ما يكفي البلد إلى ليلة النّصف من شعبان لا غير، فأسَرَّها يوسف في نفسه ولم يبُدْها لخاص ولا عام، خشية الشيُّوع والبلوغ إلى العدو، وتضعف به قلوب المسلمين وكان قد كتب إلى مصر بتجهيز ثلاث بطس مشحونة بالأقوات والإدام والمير، وجميع ما يحتاج إليه في الحصار، بحيث يكفيهم ذلك طول الشتاء، فأقلعت البطس الثلاث من الديار المصرية ولجَّجَت في البحر تتوَّخى النوتية بها الريح التي تحملها إلى عكا، فطابت لهم الريح حتى ساروا ووصلوا إلى عكا ليلة النصف من شعبان وقد فنيت الأزواد ولم يبق عندهم ما يطعمون الناس في ذلك اليوم وخرج عليها أسطول العدو يقاتلها والعساكر الإسلامية تشاهد ذلك من السَّاحل والناس في تهليل وتكبير، وقد كشف المسلمون رؤوسهم يبتهلون إلى الله تعالى في القضاء بسلامتها إلى البلد والسلطان على الساحل كالوالدة الثَّكلى يشاهد القتال، ويدعو رَبَّه بنصره وقد علم من شِدَّة القوم ما لم يعلمه غيره، وفي قلبه ما في قلبه والله يثبته، ولم يزل القتال [1] كتاب الروضتين (4/ 154). [2] المصدر نفسه (4/ 154).
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 599