اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 550
البيت المقّدس من بعده، فأمر في حلب باتخاذ منبر للقدس، تَعِبَ النّجارون والصُّناع والمهندسون فيه سنين وأبدعوا في تركيبه الإحكام والتَّزيين، وأنفق في إبداع محاسنه وإبداء مزاينه أُلوفاً، وكان لترديد النَّظر فيه على الأيام أَلُوفا، وبقي ذلك المنبر بجامع حلب منصوباً، سيفا في صِوان الحِفظ مقروبا، حتى أمر السُّلطان في هذا الوقت بالوفاء بالنَّذر النُّوري، ونَقْلِ المنبر إلى موضعه القُدْسي، فَعُرفت بذلك كرامات نور الدين التي أشرق نورها بعده سنين، وكان من المحسنين الذين قال الله فيهم " والله يحب المحسنين " [1] (آل عمران، آية: 134) وفي رواية للعماد الأصفاني: ولم يزل لنور الدين في قلبه من الدين نور، وأثر تقواه للمتقين مأثور، أزهد العبّاد وأعبد الزُّهاد، ومن الأولياء الأبرار والأتقياء الأخيار، وقد نظر بنور الفراسة أن الفتح قريب وأن الله لدعائه ولو بعد وفاته مجيب، ويزيده قوة عزمه جِداًّ وتمُّده بحياة الربانية مّداً، قد طهَّره الله من العَيْب، وأطلعه على سِرَّ الغيب ([2])،
ونزَّهه من الريب لنقاء الجيب وشملت الإسلام بعده بركته وخُتمت بافتتاح مُلك صلاح الدين مملكته، وهو الذي رَبَّاه ولَبَّاه وأحبه وحباه، وهو الذي سنَّ الفتح، وسنَّى النُّجح واتفق أن جامع حلب في الأيام النورية احترق، فاحتيج إلى منبر يُنصب فَنُصِب ذلك المنبر، وحسن المنظر، وتولى حينئذ النجار عمل المحراب على الرَّقم، وشابه المحراب المنبر في الرَّسم، ومن رأى حلب الآن شاهد منه على مثال المنبر القُدسي الإحسان ولما فتح السلطان القدس تقدَّم بحمله وصَحَّ به في محراب الأقصى اجتماعُ شَمِلهِ، وظهر سِرُّ الكرامة في فوز الإسلام بالسلامة، وتناصرتِ الألسن بالدُّعاء لنور الدين بالرحمة ولصلاح الدين بالنصُّرة والنَّعمة [3] ويدل هذا العمل على مدى إخلاص صلاح الدين لنور الدين محمود زنكي الذي بذل الكثير لتحقيق الوحدة الإسلامية، تمهيداً لاقتلاع الوجود الصليبي في بلاد الشام، كما أن ذلك يدل على أن صلاح الدين عندما قضى على دولة الزنكيين التي سادها الضعف والوهن عقب وفاة نور الدين محمود وتولى ابنه الصغير الملك الصالح إسماعيل، لم يكن يقصد بذلك سوى مواصلة المسيرة والاستعداد للجهاد ضد الصليبيين لإزالتهم واسترداد بيت المقدس [4].
سادساً: إصلاحات صلاح الدين في بيت المقدس: قام صلاح الدين بإزالة ما استحدثه الصليبيون من الأبنية والأسوار في بيت المقدس، [1] كتاب الروضتين (3/ 394). [2] لم يطلع الله أحداً من خلقه على سر الغيب ولكن الإيمان بنصر الله عز وجل بعد تكامل أسبابه .. [3] كتاب الروضتين (3/ 393). [4] صلاح الدين والصليبيون ص 223.
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 550