اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 42
والراعي الأصلي لفكرته، وفي واقع الأمر: أن الخطاب الذي ألقاه البابا في مجمع كليرمنت يعد على جانب كبير من الأهمية التاريخية، فلم نسمع من قبل في تاريخ أوروبا القرون الوسطى أن خطاباً كان معبراً عن عصره بمثل هذه الصورة كما لم نسمع عن خطاب حرك الجماهير الأوروبية الغفيرة عن مواطنها الأصلية إلى الشرق بمثل تلك الدرجة التي تحدثنا بها المصادر التاريخية المعاصرة، ولذلك لا ننظر إليه على أنه مجرد خطاب عادي، بل أنه إعلان ما يشبه "الحرب العالمية" في العصور الوسطى من جانب الغرب الأوروبي ضد الشرق الإسلامي، وذلك دونما مبالغة أو قولية أو اعتساف في الأحكام، بل من خلال شواهد التاريخ التي وقعت في أعقابه. ويلاحظ أنه في أعقاب إلقاء البابا لخطابه صاح الحاضرون صيحة واحدة وهي الله يريد ذلك، وكانت صيحة المسيحية لمحاربة الإسلام وأهله، وأتخذو الصليب شعاراً ومن هنا كانت تسميتهم بالصليبيين [1].
ل- قدرة البابا أوربان الثاني على تقديم مشروع عام: استطاع أوربان الثاني أن يوحَّد شعوب الغرب في مشروع عام، على الرغم من أن لغات هذه الشعوب وعاداتها المحلية، واهتمامات أبنائها كانت تختلف اختلافاً بيناً. ولكن الفكرة الصليبية التي جمعت جماهير الغرب الأوروبي لم تكن لتنجح لو لم تكن متوافقة مع حركة المجتمع، هذا التوافق بين الفكر والواقع، بين التبرير الأخلاقي للحرب، وحركة المجتمع هو الذي خلق الإيديولوجية التي تحركت الجماهير الأوروبية في أطارها، فعلى المستوى الشعبي كان تفكير الناس في أوروبا الغربية في القرن الحادي عشر يتوازى مع السياسة البابوية وفكرة الحرب المقدسة إلى حد ما، إذ أن أوروبا كانت قد بدأت حركة إحياء دينية مع مشرق شمس القرن الحادى عشر. ومع اقتراب الألف الأولى بعد المسيح من إكتمالها سرت موجة بالإحساس بالذنب والرغبة في التوبة في غرب أوروبا، فقد تعمق لدى الإنسان الغربي الشعور بالخطيئة والإحساس بالذنب، والحقيقة أن من يقرأ مصادر تاريخ القرن الحادي عشر في غرب أوروبا لا يمكن أن يغفل إصرار الناس في ذلك الزمان على أن يضمنوا لأنفسهم غفران خطاياهم وكان هذا نتاجاً للمشاعر الألفية والأخروية التي ملكت على الناس وجدانهم وعقولهم مع توقعاتهم لمجيء الدينونة، وانتشر الوعاظ الجوالون في كل أنحاء الغرب الأوروبي يحثون الناس على الزهد والتوبة والتشبه بحياة الفقر التي عاشها الحواريون وفي غمرة هذا التدين العاطفي الذي حكم تصرفات المجتمعات الغربية سادت مشاعر الكراهية والتعصب ضد أتباع الديانات الأخرى، بل، وضد من يعتنقون مذهباً غير المذهب الكاثوليكي.
وثمة دليل قوى على هذا في [1] الحروب الصليبية العلاقات بين الشرق والغرب ص 69.
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 42