اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 356
والأوز، والأرانب، وكانوا يستخدمون الكلام في صيدهم.
وهذه الظاهرة إن دلت على شيء فإنما تدل على التأهب الكامل والاستعداد التام لخوض المعارك في شجاعة فائقة، وبسالة منقطعة النظير، ومن الإصلاحات الكبيرة التي حققها صلاح الدين في المجتمع المسلم إبطاله مظاهر الخلاعة والمجون التي كانت شائعة في عهد الفاطميين ولاسيما في المواسم والأعياد كعيد النيروز، وإذا أردنا أن نعرف مبلغ هذه الخلاعة التي كانت متفشية في المجتمع المصري قبل عهد صلاح الدين فلنسمع إلى ما يقوله المقريزي في خططه: كانت المنكرات ظاهرة في عيد النيروز ومعه جمع كثير، ويتسلط على الناس في طلب رسم رَتَّبه على بيوت الأكابر، ويقنع بالميسور من الهبات، ويتجمع المؤنثون والفاسقات تحت قصر اللؤلؤ بحيث يشاهدهم الخليفة وبأيديهم الملاهي، وترتفع الأصوات، وتشرب الخمور في الطرقات، ويتراش الناس بالماء، وبالماء والخمر، وبالماء ممزوجاً بالقاذورات، فإن غلط مستور، وخرج من داره لقيه من يرشه ويفسد ثيابه ويستخف بحرمته، فإمّا فدى نفسه، وإما فضح [1] وأبطل صلاح الدين هذه المظاهر الفاسدة، والمنكرات السافرة ومكن من الحياة البريئة النظيفة، وأعاد لهم أخلاق الإسلام، وآدابه السامية، ومن مظاهر الفاسدة التي أبطلها بدع المناسبات والمواسم، مثال ذلك بدع يوم عاشوراء، الذي كان يوم حزن وأسى عند الفاطميين، ففي هذا اليوم كان يكثر النحيب، ويرتفع البكاء، وتتعطل الأعمال، وتتوقف الأسواق، وترى الناس في هرج ومرج، كأنما فقد كل واحد منهم أعز الناس لديه، وأحبهم إليه فاستطاع أن يقضي على هذه العادات الذميمة والبدع (2)
السيئة وأما إنعامه على الرعية وتوزيعه العطاء على الناس، فحّدث عنه ولا حرج، فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة لأن نظرته إلى المال كمن ينظر إلى التراب، وسبق أن ذكرنا أنه حين مات لم يخلف في خزانته من الذهب والفضة إلا سبعة وأربعين درهماً ناصرية، وجُراماً واحداً ذهباً، ولم يخلف ملكاً ولا داراً ولا عقاراً ولا بستاناً ولا قرية ولا مزرعة ولا شيئاً من أنواع الأملاك، وإنما أنفق أموالاً طائلة على المشاريع الإصلاحية وإعداد الوسائل الحربية، وللمستحقين من أبناء الرعية .. حتى يتحقق للمجتمع تكافله الكامل، وللدولة قوتها المنيعة وللأفراد معيشتهم المثلى وهذا ما مكن له هذا السلطان العادل والقائد البطل، ومن الأعمال الخالدة التي خلدت لصلاح الدين ذكره، إبطاله الكثير من الضرائب التي كانت تثقل كاهل المجتمع، وتقصّ مضاجع الناس، كالضرائب التي كان يفرضها أمير مكة على الحجاج، فقد كان صاحب مكة قد أمر بأن يؤدي الحجاج مكوس مكة مقدماً في جدة، فوقع على الحجاج [1] صلاح الدين الأيوبي، علوان ص 179.
(2) المصدر نفسه ص 180 ..
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد الجزء : 1 صفحة : 356