responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 246
في موضعها - إن شاء الله تعالى - وكان قد أمر بإحضارها، وكان هذا أرناط اللعين كافراً لعيناً جبّاراً شديداً، وكان قد اجتازت به قافلة من مصر، حين كان بين المسلمين وبينهم هدنة، فغدرها، وأخذها، ونكَّل بهم، وعذَّبهم، وأسكنهم المطامير والحُبوس الحرجة، وذكرّروه بحديث الهدنة، فقال: قولوا لمحمّدكم يخلّصكم، فلما بلغه - رحمه الله - ذلك عنه، نذر أنه متى أظفره الله به قتله بنفسه، فلما مكّن الله منه في ذلك اليوم، قوي عزمه على قتله - وفاءً بنذره - فأحضره مع الملك، فشكا الملك العطش، فأحضر له قدحاً من شراب، فشرب منه، ثم ناوله أرْنَاط، فقال السُّلطان للترجمان: قل للملك: أنت الذي سقيته، وأما أنا فما أسقيه من شرابي، وأطعمه من طعامي. فقال رحمه الله - أن من أكل من طعامي فالمروءة تقتضي أن لا أوذيه. ثم ضرب عنقه بيده وفاءً بنذره وأخذ عكّا، وأخرج الأسرى كلهم من ضيق الأسر، وكانوا زهاء أربعة آلاف أسير، وأعطى كلاً منهم نفقة توصله إلى بلده وأهله [1]، ويروى القاضي ابن شداد هذه القصة التي تنبئ عن تسامحه الكبير ومروءته النادرة يقول ابن شداد: لما مرض الملك الإنكليزي ريتشارد قلب الأسد - أكبر خصوم صلاح الدين - بعث إليه صلاح الدين ورفَّه عنه بأن أرسل إليه الفواكه والثلح، وكان الصليبيون يعجبون من هذا التسامح الكريم الصادر عن أعدائهم من المسلمين نحوهم [2].
لقد كان صلاح الدين حسن العشرة، لطيف الأخلاق، طيَّب الفكاهة، حافظاً لأنساب العرب ووقائعهم عارفاً بسيرهم وأحوالهم، حافظاً لأنساب خيلهم، عالماً بعجائب الدنيا ونوادرها، بحيث كان يستفيد محاضره منه مالا يسمع من غيره، وكان حسن الخُلق يسأل الواحد منا عن مرضه ومداواته ومطعمه ومشربه، وتقلّبات أحواله وكان طاهر المجلس، لا يُذكر بين يديه أحد إلا بالخير وطاهر السمع فلا يحب أن يسمع عن أحد إلا الخير، طاهر اللسان، قال ابن شداد: فما رأيته ولع بشتم قط؛ وطاهر القلم، فما كتب بقلمه إيذاء مسلم قط [3] وكان حسن العهد والوفاء، فما أحضر بين يديه يتيم إلا وترحم على مخلفيه، وجبر قلبه، وأعطاه خبز مخلفه وإن كان له من أهله كبير يعتمد عليه سلمّه إليه، وإلا أبقى له من الخبز ما يكفي حاجته، وسلّمه إلى من يكفله ويعتني بتربيته، وكان ما يرى شيخاً إلا ويرقٌّ له ويعطيه ويُحسن إليه، ولم يزل على هذه الأخلاق إلى أن توفاه الله [4].

[1] المصدر نفسه 93.
[2] صلاح الدين الأيوبي، علوان ص 151.
[3] سيرة الناصر صلاح الدين ص 93.
[4] المصدر نفسه ص 93، 94.
اسم الکتاب : صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف : الصلابي، علي محمد    الجزء : 1  صفحة : 246
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست